14‏/09‏/2008

الباب الثانى : مشكلات وحلول لقضايا سودانية سياسية ، إقتصادية وإجتماعية

مقال رقم ( 1 )
الجباية ورسوم النفايات الى متى ؟
جاء فى مسرحية الفنان الكوميدى المصرى الساخر عادل إمام ( شاهد ماشافش حاجة ) أنه ذهب لتسديد فاتورة التليفون مع أنه ياحسره ماعندوش تليفون ( بس خايف يشيلوا العدة ) وكل بيت سودانى يدفع لحكومة المتعافى رسوم نفايات مع أنه ياحسره ماعندوش نفايات ومن فين تأتى النفايات ( هو ملأ بطنه عشان يفضل حاجه ) فكل ما يقع بين يديه يأكله حتى عروق الملوخية وقشرالبطيخ يقدمها لغنمه لكنه بيدفع رسوم نفايات ( لأنه خايف من السجن ) فالأمر المحلى واضح ( ياتدفع ياتدخل السجن ) حتى جارتنا ثريا الأرملة الفقيرة أم البنات الثلاثة هددت بالسجن إن لم تدفع رسوم النفايات فدفعت خصمآ على حلة الملاح وقد تكون باتت القوي هى وبناتها ، فكل شىء فى السودان ( قلع من الضعيف لكى يزداد ضعفآ وخوفآ لصالح السمين المتمكن لكى يزداد سمنةً وتمكينآ فى هذه الدنيا الفانية ) وعندما تحل بالبلاد المصائب والنكبات ، يرفعون أيديهم لله تضرعآ كى يزيل عنهم البلاء والمحن فأين لدعائكم وتضرعكم وختمكم للقرأن أن يستجاب له أمام دعوة الأرملة المظلومة ثريا ، بل آرامل كثر أعرفهن وقد لا أعرفهن ولكن الله يعرفهن وليس بينهن وبين الله حجاب . ألتمس من مولانا مارن المراجع العام أن يقدم لنا وعلى صفحات الجرائد اليومية تقرير مراجعة وافى عن أوجه صرف الأموال التى تجمعها ولاية الخرطوم تحت إسم (رسوم نفايات) بالإضافة الى الجبايات التى تجمعها جهات أمنية وعسكرية وشرطية ومحليات الى آخر القائمة ، لأن الشعب مازال فى نفسه شىء من حتى ، وعليكم قبل أن تنادوا أهل السودان لمناصرتكم ضد الغرب ولمناصرتكم فى حل مشكلة دارفور ولمناصرتكم فى الإنتخابات القادمة ، عليكم أن تبرؤا ذمتكم وأقول لكم وبصريح العبارة أن الشعب يتحدث فى سره بأن المليارات من الجنيهات المجنبة ذهبت لإمور أخرى . فإن كانت القوانين سيد مارن تسمح لك بالمراجعة ، نأمل أن توضح لنا أنها صرفت فعلآ فيما أقره مجلس الولاية التشريعى ، فخبثاء المدينة يتحدثون عن عشرات المليارات التى تصرف سنويآ فى أوجه أخرى دون شفافية ودون علم وزارة المالية ، كغيرها من أموال الجبايات الكثيرة و(المجنبة) التى تفننت وزارات عديدة فى إبتداعها من رسوم ودمغات محرم الحديث عنها لإرتباطها بمؤسسات أمنية وعسكرية أحيطت بخط أحمر وكل من يشير إليها يعتبر خائن لوطنه لذا لن أتحدث حتى لا أصنف كخائن للوطن ، حتى وزير المالية الدكتور عوض الجاز تحدث أخيرآ وبعد 20 سنة عن رسوم العبور بالطرق الرئيسية ولم يتطرق لأموال النفايات ودمغات الشهيد والجريح علمآ أن رسول الله ص نهى عن ذكر كلمة أن فلان شهيد ، وكل من توفاه الله من أهل الإنقاذ شهيدآ .
فرسوم النفايات ودمغات الجريح والشهيد والمائة ريال رسوم السلام التى يدفعها المغترب كل عامين والتى كانت من قبل رسوم حرب ، كلها خطوط حمراء لايحق حتى لعوض الجاز التحدث عنها ، فالمواطن السودانى المغلوب على أمره يدفع ولايسأل أين يذهب كل مايدفعه ، حتى تعدى الأمر الحدود ووصل رأس السوط للمغتربين الذين لاتقدم لهم الدولة أى خدمة لأنها معفاة تمامآ من نفقات أمنهم وغذائهم وتعليم أبنائهم وعلاجهم حتى فضلاتهم ونفاياتهم وغازاتهم يقذفون بها خارج حدود الوطن إضافة الى إسهاماتهم المقدرة فى حل مشاكل أهلهم بالداخل ، ولهذا لم يدرجوا بقوائم التعداد السكانى الأخير ، فمن لاتنفق عليه لاتدرجه ضمن حساباتك ، لكن الدولة لم تنسى أن تدرجهم فى قوائم الجباية القسرية التى تفوقت فيها على حكومة التركية السابقة للسودان للسودان التى سمعنا بها والتى خصصت ضريبة حتى لمن يرغب فى عمل لحية وسمتها بالدقنية وأخشى أن يتطور الأمر لدى الجماعة ويخصصوا ضريبة لمن ليس لديه لحية وأهو زيادة الخير خيرين . فحين يذهب المغترب لتجديد جواز سفره ( كل عامين بينما بعض الدول تمنحه لمدة قد تصل الى خمسة أو عشرة سنوات ) يطالبك موظف السفارة أينما كنت على ظهر المعمورة بمايعادل مائة ريال رسوم حرب إضافة الى رسوم تجديد الجواز وعشرة ريال أخرى لم أفهم ماخصصت له فقرأتها ( فر ) ففهمت منها أن أواصل فى الفرار من وطنى وأواصل فى الإغتراب . كانت تكتب فى الإيصال المالى حرب وبعد إتفاقية نيفاشا تحولت لمائة ريال سلام ، فقلت لموظف السفارة : لماذا لاتجعلها مائتين ريال , مائة لسلام الجنوب والشرق ومائة لحرب دارفور لأن قلبى مش على وطنى أنا قلبى على حكومتى ، فرفع رأسه ونظر لى ثم خفضه ليكتب الإيصال وقمت أنا المغلوب على أمرى بسداد ماطلبه ( لأنى خايف يشيلو العده ) علمآ أن لا مصلحة لى لا فى الحرب ولا فى السلام ، بينما هم من أثرى فى زمن الحرب وهم من أثرى فى زمن السلام ، فكفوا أيديكم عن ظلم شعبكم وسيرفع الله غضبه عنكم ويكفى السودان شر من لايخافه ولايرحمنا ( بوش وساركوزى وغوردون براون ومن يسخرونه لخدمة قضاياهم وأغراضهم الدنيئة أمثال لويس مورينو أوكامبو ومجلس أمنهم الذى يكيل بمكاييل أشبه بتلك التى يتعاملون بها هم مع شعبهم - أرفعوا غضبكم عن شعبكم ليرفع يديه لله يدعوا لكم لاعليكم - وللحديث بقية ) .

مقال رقم (2)
إذا أقيمت دولة الشريعة ، فهل من ضرورة لقيام التنظيمات الحزبية والممارسة الديمقراطية ؟
وهل من ضرورة لقيام حزب المؤتمر الوطنى الحاكم ؟ الجواب قطعآ لآ
ولكن عندما عجز نظام الإنقاذ عن إقامة الشريعة الإسلامية التى بشر بها ، وحين لم يقوى على القبض على الجمرة ، فالقابض على دينه كالقابض على الجمر، وعندما لم يستطيعوا تطبيق العدل والمساواة على شعبهم ، لجأ للقوانين الوضعية وتكوين الأحزاب السياسية ، فكانت بداية النهاية للثورة الإسلامية التى بشروا بها . قلت هذا الحديث فى منتصف تسعينيات القرن الماضى أمام جمع من مؤيدى ثورة الإنقاذ ، تداعوا لإجتماع عقد بمزرعة منظمة سلسبيل الخيرية بسوبا غرب ، تداعوا لتشيكل فرع للمؤتمر الوطنى بمحلية الجريف غرب وسوبا ، فقلت مخاطبآ الحضور حينما جاء دورى للحديث ، كيف لى أن أنضم لحزب يجمع المسلم مع المسيحى واللادينى فى وقت نبشر فيه بقيام دولة الإسلام فهذا الأمر يتناقض مع رفع شعار المشروع الحضارى ، أنا أرفض هذا التوجه ولكن سأظل مؤيدآ لثورة الإنقاذ التى تدعو لإقامة شرع الله وسأكون وفيآ للبيعة التى بايعتها لقائدها فى ميدان أركويت ، فرد على المرحوم مجذوب الخليفة ( ولن أقول الشهيد ) وبلهجة لاتخلو من العنف الذى عرف به ( لو لم تكن راغبآ فى الإنضمام للمؤتمر الوطنى ، فثورة الإنقاذ ليس فى حاجة لأمثالك ) وكأن الثورة شىء خاص بهم هم جماعة التمكين - يمنحون الإنتساب لها لمايرضون عنه ويحرمون من لايسير على خطاهم - ولكنهم اليوم وصلوا لحالة ضعف جعلتهم ينادون على كل أهل السودان ولكن بعد فوات الأوان . غادرت مكان الإجتماع ولم أعد لا للإنقاذ ولا لحزبها الجديد المؤتمر الوطنى . كنت فى تلك الفترة على قناعة تامة بأن الإنقاذ جاءت لتقيم دولة الشريعة الأسلامية ، وبقيام الشريعة نحقق العدل والمساواة ، وبتحقيق العدل والمساواة فلا حاجة لنا فى ديمقراطية الغرب ولا إشتراكية الشرق ، فالديمقراطية ماهى إلا نوع مقنن من أنواع ديكتاتورية الأغلبية
DEMOCRCY IS THE DECTATORSHIP OF THE MAJORITY
فالديمقراطيات الغربية أوصلت أكثر حكام العالم ديكتاتورية للحكم ويكفى أن أذكر منهم بوش وبلاويه فى العراق وأفغانستان ومايدبر لفعله فى السودان . هذا الحديث لايعنى أنى ضد الديمقراطية ، ولكن إذا أمكن قيام دولة الشريعة فلا داعى للديمقراطية ، فالإسلام نظام دين ودولة ودنيا وآخرة ، ويتم إختيار الحاكم بالشورى ( وأمرهم شورى بينهم ) كما فى هو الحال فى الأنظمة الملكية الإسلامية ، ولكن لو خيرت بين النظام العسكرى الشمولى كنظام الإنقاذ هذا والديمقراطية ، فدون شك سيكون خيارى هو الديمقراطية . ولكن الممارسة الديمقراطية تحتاج لوعى الشعوب وتحررها من التبعية لمشايخ الطرق الصوفية الذين أساءوا إستخدام تابعيهم ومريديهم ليتقربوا بهم للحكام الذين يغدقون عليهم المال الكثير فى مقابل ضمانة التأييد ، فمشايخ الطرق الصوفية بالسودان الذين يدعون المقدرة على علاج من به مس بالماء والكسرة والضرب بالسياط ، عندما يصابون هم بالمرض ، أين كان نوعه يلجأون للطب الحديث وللدولة لترسلهم على نفقتها للعلاج بمستشفيات لندن والأردن ، فمتى ياترى سيتحرر الإنسان السودانى من العبودية والتبعية لمشايخ الطرق الصوفية ويكون حرآ حين يمارس حقه فى الديمقراطية ؟
كان كل من يبلغ من العمر سن السابعة فى زماننا من أبناء قريتى عتمور وأمكى يحضره أهله للجنة القبول بمدرسة أمكى الأولية ( الإبتدائى ) بينما أبناء العبيداب وكرقس يوجهون لمدرسة كرقس الأولية . بعد التحقق من أننا بلغنا السابعة بشهادة الشهود الذين يذكرون عام مولدنا والذى دائمآ مايربط بحدث هام كقولك ود إسماعيل دا أمه ولدته لمان الجيلانى قتل تمساح قوي وقد يقول آخر صحيح لأن فى ديك السنة بقرتى الحمراء جابت ليها عجله ، فمقتل تمساح ومولد عجله وحدوث فيضان بالنيل هى الأحداث المهمة فى تاريخنا وليس مولد ولد وإن كان ذكر ، أما الإنثى فلا تذكر ولاتذهب للمدرسة حتى بعد 1/1/1956م ( إستقلال السودان ) . كنا نحتاج لرأى من يذكر مقتل الجيلانى لتمساح قوي ومولد بقرة لعجلة فأهلنا كانوا يحبون إناث البهائم ويكرهون إناث البشر ، وتحضرنى طرفه أن عمنا ( فلان لاداعى لذكر الإسم ) جاءوا يبشرونه بمولد بنت وطلبوا منه أن يختار إسمآ لها ، فقال ( البت يسموها ليه ، خلوها بدون إسم ، أمشى يابت تعالى يابت ، لحد مايجيها عريس نقول ليهو عاوز تسمى مراتك شنو ؟ نقول للمأذون أكتب فلانه بنت فلان البكر البالغ بولاية والدها ) .
لكوننا لانحمل شهادات ميلاد كنا نحتاج لشهادة مثل هؤلاء حتى يحق لنا أن ندخل يدنا فى كيس من القماش ونتناول ورقه ( مقبول ، غير مقبول ) لأن المدارس قليلة جدآ فى تلك الفترة مقارنة بعدد الزيادة فى الأطفال الذين إستحقوا الجلوس للدراسة ، فمع فجر الإستقلال أدخلت يدى ولم يسعفنى الحظ لدخول أمكى الأولية الحكومية التى رفُعت قبل عامين فقط من صغرى ( ثلاثة فصول ) الى أولية ( أربعة فصول ) . أرسلتنى والدتى التى تناصر تعليم الأبناء الذكور لمدرسة الباقير الصغرى ، ولم ترسل شقيقتى فاطمة التى تكبرنى بعامين ، لأدرس بها حتى لا أفقد عام دراسى ولآعيش فى ضيافة الملك سلمان عثمان أبوحجل ملك عموم الرباطاب ولا أسميه ناظر العمد ، وليرعانى فى المدرسة أستاذى الأول عطا الفضيل دقرشاوى وقبل أن أنهى عامى الأول أنتقلت مع والدتى وشقيقتى فاطمة لنلتحق بأشقائنا عثمان وعلى يرحمه الله وبخيت الذين كانوا يعملون فى مدينة أمدرمان لتتاح لى فرصة الجلوس بمقعد الدراسة بالصف الأول بعد رفع العلم وبداية فجرالحرية بأشهر قليلة بمدرسة الهدايا الأولية بأمدرمان ( مدرسة شيخ الطاهر ) فى العام 1956م وأمدرمان تغلى بالسياسة والسياسيين وأهازيج أزهرى أبو الوطنية ورافع العلم وحررت الناس ياسماعيل الكانوا عبيد ياسماعيل . لم يكن لى أى خيار سوى أن أكون إتحادى يحب الأزهرى والهندى وزروق وأشجع الهلال وأحب أغانى عثمان حسين والربوع ، علمآ أن مبنى مدرستى كان يجاور منزل عبد الله بك خليل رئيس الوزراء الأسبق عن حزب الأمة خلال فترة الديمقراطية الأولى التى أغتيلت وهى فى عمر الطفولة على يد الجنرال عبود فى 17 نوفمبر 1958م والذى أسقطه الشعب فى ثورة 21 إكتوبر 1964م ، لتبدأ الديمقراطية الثانية فى العام 1965م ولتغتال هى الأخرى طفلة لم تكمل عامها الرابع على يد جنرال آخر إسمه نميرى فى 25مايو 1969م ليسقطه الشعب فى ثورة أخرى عرفت بثورة رجب ابريل 1985م لتبدأ مرحلة الديمقراطية الثالثة التى لم تكن أفضل حالآ من شقيقتيها إكتوبر ورجب ، فأغتيلت هى الأخرى على يد إنقلاب عسكرى نظمته الحركة الإسلامية السودانية الحديثة بتخطيط من عرابها دكتور حسن عبد الله الترابى وقيادة العميد حسن أحمد البشير فى 30 يونيو 1989م والديمقراطية الثالثة مازالت طفلة بالروضة ، فمن 53 عام عاشها السودان بعد نيله الإستقلال ، حكم الشعب نفسه 10 سنوات فقط ، بينما حكمه العسكر 43 سنة ومازال السودان فى كثير من الإمور بالعسكرية ( مكانك سر ) ، فلماذا يحدث ذلك فى بلد كالسودان عرف أهله بأنهم شعب يقرأ جيدآ ولديه وعى سياسى يندر أن يوجد فى بلد عربى ( فمقولة القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ تضحدها ثلاثة إنقلابات عسكرية حدثت خلال ثلاثة عقود فقط ) فماذا أصاب أهل القراءة ؟ ولماذا كل تجربة ديمقراطية سودانية تغتال طفلة على يد مجموعة من العسكريين ؟
قلت كانت مدرستى ملاصقة لبيت الزعيم عبد الله بك خليل ومع ذلك كنت وأنا طفل معجب بالأزهرى والإتحاديين أمثال زروق والهندى وحسن عوض الله ومحمد جباره العوض ونصر الدين السيد ، ولا نميل لحزب الأمة الذى كانت لدينا قناعة بأنه حزب أهل النيل الأبيض وغرب السودان وطائفة الأنصار ، كما لم تكن لدينا ميول نحو حزب الشعب الديمقراطى وطائفة الختمية ، فالرباطاب والمناصير والميرفاب والجعليين بإستثناء قلة هنا وهناك ينتمون للوطنى الإتحادى وهو حزب وطنى ليس له طائفة دينية وإن كان غالبية مؤيدوه من الطائفة القادرية . الحزب الوطنى الإتحادى وحزب الشعب الديمقراطى يلتقيان فى فكرهما الداعى للوحدة بين مصر والسودان بينما حزب الأمة حزب يدعو للإستقلال بعيدآ عن الوحدة ، ومن هنا نشأت الكراهية بين حزب الأمة ومصر والتى مازالت الى يومنا هذا ، علمآ أن من أعلن الإستقلال التام من داخل البرلمان ليس من حزب الأمة ولكنه الزعيم إسماعيل الأزهرى بدعم من عبد العناصر ، لذا نجد أن شعب مصر يحمل عبد الناصرمسئولية فصل السودان عن مصر وأن المصريين الذى ماتوا بالألوف وهم يشيدون القنوات والترع بمشروعي الجزيرة والمناقل ماكانوا يتوقعون أن حديقتهم الخلفية ( السودان ) ستنفصل عنهم ويحرمون من إستثمار ملايين الأفدنة الخصبة ومليارات الأمتار المكعبة من مياه النيل والأمطار الموسمية ، لذا تدخلت الإستخبارات المصرية فى الإنقلاب على حكومة عبد الله بك خليل ( أمة ) وجاءت بمجموعة عساكر حققوا لها حلمها فى غرق حلفا التاريخ وقيام السد العالى ، وتدخلت إستخبارات مصر مرة ثانية وأطاحت بحكومة السيد الصادق الأولى ( أمة ) ثم تدخلت مرة ثالثة على حكومة السيد الصادق الثانية ( أمة ) ولكن جماعة الحركة الإسلامية ( الجبهة الإسلامية الوطنية ) بزعامة الترابى والتى كانت تخطط للإطاحة بحكومة السيد الصادق الثانية كشفت الأمر لإستخبارات الأمة وأرجو أن يزيح اللسام عن هذه النقطة الأخوين عبد الرحمن فرح وإبراهيم نايل إيدام وكل من لديه علم بالحقيقة . فى آخر أيام عهد السيد الصادق ( أمة 2 ) أودع السجن جماعة إنقلاب مصر ويقال أنهم كانوا بقيادة العميد الزبيرمحمد صالح الذى لاينتمى لجماعة الأخوان المسلمين وهو صوفى محسوب على مصر ، لينفذ جماعة الأخوان المسلمين إنقلابهم فى نفس اليوم وبضمهم للواء الزبير الى قائمة مجلس قيادة الثورة مع عدد من الأسماء المحسوبة على مصر ، تسبب ذلك فى خداع الإستخبارات المصرية التى ظنت أنه إنقلابها الثالث على ( عدوها الأمة ) داعية الإنفصال بين مصر والسودان وستواصل مصر التخطيط للإنقلابات كلما وصل حزب الأمة الداعى للإنفصال عنها للحكم ، لذا نلتمس من السيد الصادق البحث عن مهنة أخرى غير السياسة وحتى نعيش فى أمن وأمان من شر الشقيق ، نأمل من غالبية أهل السودان الإنحياز للحزب الوطنى الإتحادى ( النسخة الأصلية ) بزعامة مولانا الحسيب النسيب محمد عثمان الميرغنى وليس (النسخة التقليد) . خدعت الحكومة المصرية فسارعت لتأييد إنقلاب البشير وأعترفوا بحكومته ، وزودوه بالسلاح والمعدات والسيارات فى ساعاته الاولى ، بل ذهبوا أكثر من ذلك حين طلبوا من بقية الدول العربية الإعتراف بحكومة الإنقاذ ، وعندما تكشفت لهم حقيقة الإنقلاب وأن الرجل الذى يقف خلفه هو حسن الترابى ، جن جنونهم ، كيف لا ، فوجود حكومة إسلامية فى جنوب الوادى يهدد حكومة مبارك العلمانية فى شمال الوادى ، والخطورة هذه المرة تكمن فى أن السودان سيتحول من دور المتلقى الى دور من يعطى ويبث الأفكار ، فنظام الإخوان المسلمين جاء للسودان من مصر ، والشيوعية جاءت لنا من مصر ، حتى البدع كالإحتفال بالمولد النبوى الشريف والزار واشياء أخرى عديدة جاءتنا من مصر ، فهل تسمح مصر بقيام نظام إسلامى فى السودان على نهج وفكر حسن البنا والأخوين قطب ؟ بالطبع لا . نجحت مصر فى إضعاف حكومة البشير حين ألبت كل العالم عليها وأنا لا أستبعد أن تكون مسرحية مطار أديس لإغتيال حسنى مبارك مسلسل من مسلسلات وتخطيط مخابراتها . هذه هى مصر ، نرسل لها الماء العذب وترسل لنا افكار تعكر صفو حياتنا ، وتخطط وتسقط ثلاثة أنظمة ديمقراطية وتستبدلها بثلاثة عسكرية كان أخرها إسلامى نجحت فى أن تحوله لنظام عسكرى شمولى أشبه بنظامها خلال حكم مبارك ، حتى حزبها الوطنى ، جاراها البشير وتحت ضغط الحصار ليؤسس حزبه المؤتمره الوطنى وماعاد يتحدث عن مشروعه الحضارى أو نشر الدعوة الإسلامية فى جنوب السودان ، وليتوقف مشروع الجهاد ويسلم الجنوب كله فى طبق من ذهب للمتمردين .
بدأت حياتى مع بداية إستقلال السودان ، لذا تجدنى وأبناء جيلى ندرك كل شىء ولايستطيع إعلام دولة يديره شباب صغار السن أن يشوش على أفكارنا أو أن ننسى حقائق التاريخ ، لذا تجدنى أصاب بالإحباط وتنتابنى الحسرة حينما أسمع شاب أو شابة أو وزيره سودانية تقول ( هو نحن حكم الديمقراطية دا لقينا منو شنو ؟ والحكومات الوطنية دى إنجازاها شنو ؟ الإنجازات الفى البلد دى كلها ياعبود يانميرى يا البشير ، الأزهرى والصادق المهدى ديل الوجعين لينا بيهم رأسنا ورونا إنجازاتهم شنو ؟ )
الكلام دا هام والإجابة عليه أهم منو لذا أديته لون أحمر ، ولأنى بعرف أن جيل الزمن دا جيل عصر المعلومات جيل علمى لايؤمن إلا بالعلم والرياضيات والحساب والحاسوب طبعا بعد إيمانه بالله سبحانه وتعالى ولذا عاوز أخاطب عقولكم مش قلوبكم وعواطفكم ، لأن العواطف دى دمرت السودان - تعالوا نقرأ التاريخ الحديث بتمعن ولو وجدتوا فى كلامى دا خطأ حاسبونى من خلال نافذة التعليقات أدناه :
السودان نال إستقلاله فى 1/1/1956م والإنقلاب العسكرى الأول (عبود ) فى 17/11/1958م = 2 سنه 10 شهور و 16 يوم يعنى بتساوى 1030 يوم من الحكم الديمقراطى لتغتال على يد عبود وهى طفلة لم ترسل للروضة بعد
جسم عبود على صدرونا ستة سنوات باع فيها حلفا وأغرق تراث لايقيٌم بمال الدنيا وقتل من قتل ظلمآ ، لتسقطه الثورة الشعبية فى 21/10/1964م ولتبدأ الحكومة الإنتقالية الأولى بقيادة أستاذنا سر الختم الخليفة لمدة عام واحد تجرى خلاله الإنتخابات أى لتبدأ الديمقراطية الثانية ( أزهرى لمجلس السيادة والمحجوب لمجلس الوزراء ) فى 1965م
21/10/1965م بداية الديمقراطية الثانية لتنتهى فى 25/5/1969م بحدوث الإنقلاب العسكرى الثانى (نميرى)
التشكيل الوزارى الأول برئاسة الأستاذ محمد أحمد المحجوب 21/10/1965م الى 27/7/1967م ليترك المنصب للسيد الصادق الوريث الشرعى لبيت الإمام محمد أحمد المهدى أى أن المحجوب حكم البلاد لمدة سنة واحدة و9 شهور و6 يوم - عمر طفلة فى سن الرضاعة
السيد الصادق المهدى (1) من 27/7/1967م وحتى 24/5/1969م = لمدة سنة واحدة و9 شهور و17 يوم برضو أخونا الصادق ( الجماعة بقوا يقولوا ليهو الحبيب الصادق والإمام الصادق ) أغتيلت ديمقراطيته طفله فى سن الرضاع ليجسم النميرى على صدورنا لمدة 16 عام حتى أسقطته الغضبه الشعبية فى رجب/ابريل 1985م وهو فى أمريكا والعارفين بالإمور يقولوا أن الأمريكان فكرهم السياسى والإقتصادى صهيونى والصهاينة عندهم فكر بيقول ( لو صديقك أعطاك كل ماتريده منه أقتله ) لأن من يعطى يطلب أن يأخذ المقابل والصهيونى بيأخذ مابيديش لذا قتلوا السادات برفع الغطاء عنه وكشف ظهره للمتطرفيين الإسلاميين لقتله لمان أداهم كامب ديفيد وزار إسرائيل وأسقطوا نظام نميرى لمان نفذ طلباتهم ورحل الفلاشا وعمل أعمال كثيرة لصالحهم ، فاصبحت مهمة مصر فى المنطقة مساعدة العسكر للوصول للحكم ومهمة أمريكا إزالتهم بعد نفاذ الصلاحية ، وأرجو ألا تكون صلاحية الجماعة دول قد إنتهت بتسليمهم لقوائم الإسلاميين المطلوبين لأمريكا ومسلسل الإنبطاح الذى بدأ بنيفاشا ، فأمريكا لادين لها ولاطعم ولالون ولاعدا دائم أو صداقة دائمة ، أمريكا دولة مصالح ، أينما وجدت مصالحها وجدت ، وهذا مالم يفهمه جماعتنا .
بعد إنتفاضة رجب/أبريل 1985م عاش السودان لمدة عام بمجلس إنتقالى لتبدأ الديمقراطية الثالثة فى العام 1986م وتغتال هى الأخرى كسابقتيها وهى طفلة فى الروضة على يد الحركة الإسلامية السودانية الحديثة مدعومة بالحركة الإسلامية العالمية .
فلماذا تغتال الديمقراطيات السودانية وهى طفلة ؟ وهل هنالك أخطاء فى الممارسة الديمقراطية السودانية أدت لحدوث هذه الإنقلابات المشئومة ؟ وهل أخطاء الديمقراطيات تعالج بخطأ افدح كالإنقلابات العسكرية ؟
فى تقديرى أن المسئول الأول عن الأخطاء التى أدت الى سقوط الديمطقراتيات الثلاثة هو الناخب السودانى الذى يوزع أصواته بين كل الأحزاب مكونةً برلمانآ غير متجانس لايملك فيه حزب بعينه الأغلبية الميكانيكية التى تمكنه من تكوين حكومة بمفرده وتطبيق برنامجه الإنتخابى ، ليضطر للإئتلاف مع حزب آخر يختلف معه فى البرامج والخطط ، ليحدث التجازب والتنافر داخل الحكومة ولتتعاظم المشاكل وتتوقف عجلة التنمية والبناء ، معطية الزريعة لجماعة أخرى خارج كتلة الحكومة فى تحريك مؤيدها بالجيش للإطاحة بالحكومة ، ليخرج الشعب الذى تسبب فى مشكلة الحكومة الديمقراطية فى مواكب تأييد للإنقلابيين سرعان مايكتشف أنه كان مخطئآ ويبدأ فى الحنين للديمقراطية ومساحات الحرية خاصة بعد أن ينكل به العسكرى الجديد متى ما إطمئن على موقفه وأمن نفسه بترسانة من أجهزته الأمنية ، لتبدأ مرحلة النقد والتشهير وتحميل كل أخطاء السودان للحكومات الوطنية ( الديمقراطيات ) ، ويحضرنى هنا حديث لوزيرة الرعاية الإجتماعية وهى تخاطب حشد نسائى ( نحن حكم السيدين دا لقينا منو شنو ؟ ) أقول لمعالى الوزيرة : أشكرك أولآ على إعترافك بأنهما سيدين وأبناء سيدين ، السيد هذه سيدتى الوزيرة عبارة عن وسام ملكى قلدته ملكة بريطانيا للسيدين الجليلين الحسيب النسيب على الميرغنى والإمام عبد الرحمن محمد أحمد المهدى رضى الله عنهما وأرضاهما وهو نوط بلقب سير SIR ، وورث أبناؤهم وأحفادهم هذا اللقب عنهما كما يرث كل إبن عن أبيه أصوله الثابتة والمنقولة ، وحين نقول السيد محمد عثمان أو السيد الصادق فهذا لايعنى أنهما سادة لنا ونحن عبيد لهما فالسيد هو الله سبحانه وتعالى وحده ولكنه إقرار منا بمكانتهما الإجتماعية كسادة بيينا وهو أمر واقع لن يلغيه أو يقلل منه حديثك عنهما ، أما إذا أردت أن تعرفى ماذا لقينا من حكم السيدين الذى لم يستمر لإكثر من ثلاثة سنوات فى كل مرحلة من مراحل الديمقراطية الثلاث ، أن حكم السيدين لقينا منه التعليم المجانى مع السكن المجانى بالداخليات وأكلها وشربها ،لقينا منه العلاج المجانى بالداخل والخارج ، الإبتعاث للدراسات العليا بالخارج ، السمعة الطيبة للسودانى أينما ذهب كان مرحبآ به ، بينما اليوم بدأ السودانى يبحث عن جنسيات أخرى كالأريترية والتشادية لإخفاء هويته السودانية حين يسافر شرقآ أو غربآ ، متحسرين على زمان كانت السودانية فيه محل إعتزاز الجميع وأنتم سيدتى الوزيرة من سعيتم للتقليل من مكانة السيدين بين أهل السودان ، وخلق ساده جدد ليملأوا الفراغ ، فأستنسختم ساده جدد من طراز فريد ، كدكتور خليل وعبد الواحد ومني وباقان أمون وأناس كثر يفتقدون لمقومات الزعامة الحقيقية ، فعدتم تبحثون عن السيدين الأصليين وبالأمس سمعت مذيعكم يخاطب السيد الصادق المهدى فى إجتماع عقد بمنزله ( بالحبيب ) ياسبحان الله مغير الأحوال من حال الى حال .
مع كل هذا الذى قيل منى فى حق ثورة الإنقاذ ، الثورة التى أكلها أبناؤها ليملأ بطونهم ويفرغوا عقولهم من فكرها أقرً وأشهد على نفسى بأنى كنت أحد الذين خرجوا مؤيديين لثورة الإنقاذ من خارج تنظيم الحركة الإسلامية فور إعلان البشير لبيانها الأول ، فقد سبق وان قلت لكم أنى إتحادى المنشأ والولادة وهذا ما أقسمنا عليه فى الإجتماع الذى ضم أكثر من 400 عضو من مختلف محليات الخرطوم والذى عقد فى غرفة الإجتماعات بميدان الأسرة فى سنوات الإنقاذ الأولى .أنا إتحادى بالميلاد ، فمسقط رأسى منطقة الرباطاب دائرة مقفولة للحزب ماتت سياسيآ بموت زعاماتها المتمثلة فى الأزهرى والحسين الهندى وزروق وبقية العقد الفريد ، فدفعت بى حالة الموات الفكرى والإحباط الذى أعيشه فى تلك الفترة الحرجة من تاريخ السودان للتهليل والترحيب بمقدم البشير ، وقد تطور هذا التأييد الى مرحلة العمل الإيجابى والمشاركة فى اللجان الشعبية التى كونها النظام ظنآ منا أنها شعبية بمعنى أنها لكل الشعب دون تمييز ، فأديت القسم لمؤازة النظام وكان القسم واضح ( أنا 0000 أقر وأشهد بأنى إتحادى ومن اليوم فكل ولائى للإسلام والسودان والإنقاذ ) الكل أقسم متنازلآ عن ميوله السابقة الضيقة منطلقآ نحو أفاق أرحب وأوسع ( الإسلام السودان الإنقاذ ) فباشرت بمحلية شرق مع أخى رشاد مكى صادق وآخرين مسئولية جمع المال فى زمن ( الفقر والعوذ ) الذى عاشه النظام فى بداياته وكنا نؤمن كل إحتياجات مجندى الشرطة الشعبية والمرابطين بالمحلية ، التى ساهمت مساهمة مقدرة فى تأمين الثورة فى سنواتها الأولى ، ليستمر هذا التأييد والدعم مع البيعة لقائد الثورة العميد البشير ، فأدينا البيعة الأولى بميدان أركويت والثانية بإستاد الخرطوم ، لنفأجأ بأن هنالك جهاز سياسى خفى لم يعلن لنا عن نفسه فى إجتماع ميدان الأسرة يرسل لنا قوائم بأسماء رؤساء المحليات ونوابهم والمواقع المتقدمة من المحسوبين على الحركة الإسلامية فتسألت من الذى أرسل هذه الأسماء ولماذا لانتتخب كل محلية مكتبها . فقيل لى : أن هذه الأسماء مرشحة من قبل الحركة الإسلامية السودانية ( الجبهة الإسلامية القومية وتحديدآ من زعيمها الترابى مش كده وبس كمان بلغنا بأنه قرر أن يكون الإسم من اليوم وصاعدآ محلية وليس بلدية ) . قلت لهم أين مكان هذه التنظيم فى القسم الذى أقسمناه للإسلام والسودان والإنقاذ ، أقسموا جميعهم بأن بعد الإنقاذ لا حزبية ولاطائفية ، فغادرت مكتب المحلية ولم أدخله إلا فى يناير 2008م أطلب إزالة سكن عشوائى من أمام منزلى . سار الجماعة فى نهجهم الجديد ، إلا أن دعينا فى منتصف التسعينيات لحضور إجتماع إنتقائى عقد بمزرعة منظمة سلسبيل الخيرية الإسلامية بسوبا غرب يخاطبه الدكتور مجذوب الخليفة وآخرون أذكر منهم الدكتور الجميعابى والدكتور المعتصم عبد الرحيم بغرض الإستماع لتنوير عن نية الدولة تأسيس فرع لحزب المؤتمر الوطنى بمحلية الجريف غرب وسوبا . جاء فى التنوير أن هذا الحزب سيكون وعاءً جامع لكل أهل السودان بمختلف دياناتهم . وحينما أتيحت لى فرصة الحديث رفضت فكرة الإنضمام لحزب يجمع بين المسلم والمسيحى واللادينى فى وقت تبشر فيه الدولة بمشروعها الحضارى وهو تعبير يقصد به المشروع الإسلامى ، وتساءلت كيف لنا تحقيق مشروع إسلامى والحزب يضم نصارى ولادينيين مشيرآ بيدى الى عدد من أبناء الجنوب المسيحيين واللادينين وإخوة أقباط كانوا من بين الحضور ، معلنآ رفضى للإنضمام للحزب ، مع الإستمرار فى تأييدى لثورة الإنقاذ وماطرح ببيانها الأول من خارج حزب المؤتمر الوطنى ، فعقب الدكتور مجذوب الخليفة وبلهجة لاتخلو من الغلظة على حديثى قائلآ ( لو لم تكن راغبآ فى الإنضمام للمؤتمر الوطنى فالإنقاذ ليست فى حاجة لأمثالك ) فغادرت المكان على الفور مسقطآ الإنقاذ ومؤتمرها الوطنى من حساباتى وتفرغت لأسرتى ، فكنت الرابح بعودتى لوطنى الثانى السعودية مغتربا للمرة الثانية ، لأتابع من هنالك الخطوات التى خطتها ثورة الإنقاذ ممثلة فى حزبها الحاكم ( المؤتمر الوطنى ) بتوقيع إتفاقية نيفاشا التى أتت بالمتمردين والخوارج شركاء للثورة التى أيدناها وبايعناها لإقامة شرع الله فى الحكم فى تجاهل واضح لقول الله تعالى ( لن ترضي عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم ) ولتسـن لنا سنة سيئة ، تلخصت فى أن كل من يخرج على القانون ويحمل السلاح ويروع الأمينين ويقتل الناس يتم التفاوض معه من قبل الدولة ويؤتى به للقصر معززآ مكرمآ نائبآ أو مساعدآ ، مستشارآ أو وزيرآ ، وهاهى الثورة اليوم تتلقى المكافأة على فعلتها فى شكل شتائم وإنتقادات من قبل السيد / باقان أموم وزير الدولة بمجلس الوزراء الامين العام للحركة الشعبية الذى وصفها بالفاشلة والفاسدة وعديمة النضج ، ليكون هذا الحديث تصديقآ لقول الله سبحانه وتعالى بعدم رضى أموم النصرانى عن البشير المسلم ، وتأكيدآ لى أنى كنت محقا حين لم أنضم لحزب يجمع هذه التناقضات . فى حديث لأمين عام الحركة الإسلامية السودانية الأستاذ / على عثمان محمد طه صدر عقب إنتهاء مؤتمر الحركة الإسلامية السابع جاء مايلى : ( ... وأشار أن الحركة الإسلامية أقرت أن يكون المؤتمر الوطنى ساحتها السياسية ومنبرها الذى تصل عبره لبقية مكونات الوطن ) ، فهل يسع الجدول مياه النهر ؟ وهل يسع النهر مياه المحيط ؟ الإسلام هو الكل فكيف تجعلون من حزب ضيق محدود العضوية ساحته ومنبره . ألم تستمعوا لحديث العلامة الدكتور زغلول النجار عن تأسيس الحزب الوطنى بمصر على يد السادات بأنه هرم مقلوب وتأسيس المؤتمر الوطنى بالسودان على يد الرئيس البشير لايختلف عن أخيه الوطنى فى شمال الوادى . لقد قال الدكتور زغلول أن الحزب الذى يؤسسه الحاكم ويزج بالوزراء والوكلاء والولاة والنواب والدستوريين وكبار وصغار موظفى الدولة ورجال الجيش والشرطة والأمن فى عضويته هو هرم مقلوب بدأ تأسيسه من قمة الدولة ونزل للشعب بينما من المفترض أن يبدأ تكوين الحزب من القواعد الشعبية العريضة صعودآ للإعلى لتنتخب هذه القواعد قمة الهرم السياسى للحزب ، وهذا ما لم يحدث لا فى هرم خوفو مصر ولا فى هرم البجراوية السوداني ، فكليهما هرم مقلوب ، رأسه للأسفل وقاعدته للأعلى ، فالصورة مقلوبة ويتوقع سقوطه متى ماهبت الرياح عليه .

----------------------------------------------------------------------------------------------------------

مقال رقم (3)
المشكلات الحالية التى تعيق تحقيق نهضة زراعية حقيقة بالسودان
لا أمل لنا فى تحقيق نهضة زراعية دون ضمانة حقيقية لتسويق مجزى للمنتج الزراعى ولاضمانة لتحقيق تسويق مجزى للمنتجات الزراعية دون علاقات خارجية ممتازة مع أمريكا ودول المعسكر الغربى وبقية دول العالم . فهل نحن جاهزون لتحقيق هذا التقارب وتذويب جبال الجليد التى بيننا ؟؟ يظن الكثيرون أن ( وجود الأراضى الزراعية الخصبة الشاسعة ، وفرة المياه العذبة من مياه الأنهار الدائمة ومياه الأودية الموسمية ومياه الأمطار والمياه الجوفية مع ضمان التمويل البنكى للمزارعين ) هى العناصر الأساسية والوحيدة لإحداث نهضة زراعية ، فى ظل أى نظام حتى لو كان هذا النظام كالنظام الذى يحكم السودان منذ عقدين . ماذكر أعـلاه جزء هام من أسباب النجاح ولكنه ليس كل النجاح ، فكان من المفترض توفر وضع سياسى يحقق ( الضمانة الضرورية لتسويق المنتج بسعر مجزى يعود على المزارع بالربح الوفير الذى يمكنه من دخول موسم زراعي جديد دون الحاجة لتمويل بنكى تترتب عليه أرباح ربوية تمحق ولاتربى ) . فالنجاح الذى يحققه المزارع الأمريكى والكندى والأسترالى والأوربى يعود فى الأساس لدعم الدولة المباشر والغير مباشر له ، ومنطقتنا العربية عاشت لثلاثة عقود مضت تجربة زراعة ناجحة فيما بين 1970م -2000م كان العنصر الأساسى فيها ( ضمانة الدولة لتسويق مجزى للمنتجات الزراعية ) . فدعونا نتعرف على تجربيتن زراعيتين فى منطقتنا العربية ، الأولى تحكى قصة النجاح الزراعى بالسعودية فيما بين 1970م – 2000م والذى توقف بعد ذلك عن زراعة بعض المحاصيل كالقمح والشعير وعلف الصادر بأمر من صانع القرار خوفاً على الهدر الذى قد يصيب المخزون الجوفى للمياه الغير متجدد بتلك الدولة لصالح أجيال الغد والتوجه لزراعة أنواع آخري من المنتجات الزراعية كالخضر والفواكه التى لاتحتاج لكميات كبيرة من المياه ، والثانية تحكى عن قصة فشل الزراعة المتكرر فى التجربة السودانية التى توفرت لها كل العوامل عدا ( المرجعية الواحدة للقرار التى تحقق الضمانة لتسويق مجزى ) مع إلزام الحكومات الولائية ومجالس الأقاليم والمحليات من تنفيذ القرارات التى تصدرها الهيئة العامة للإستثمار بشأن الزراعة ، وتلك التى تصدر عن رئاسة الجمهورية . فالسودان يحتاج لحكومة قوية فاعلة محترمة تصب كل مواعين التحصيل فى المركز ( وزارة المالية ) وتتولى وزارة المالية مسئوليتها الكاملة تجاه كل الولايات ولايترك أمر سداد مرتبات معلمى مرحلتى الأساس والثانوية وغيرها لرؤساء المحليات ويقال لهم بالبلدى ( إتصرفوا وحلوا مشاكلكم ) لتتحول المحليات الى سيف مسلط على رقاب الشعب والمستثمر الوطنى والأجنبى ، تقطع الطرق وتجبى المال بقوة السلاح لافرق بينها وبين جماعة النهب المسلح ، حتى تحولت الدولة ، كل الدولة ، الى حكومة أشبه بماكنا نسمع عنه فى حكم التركية السابقة ، ولكن مايجبى فى هذا العهد مليارات الجنيهات تجبى وتجنب ولاتعلم وزارة المالية وديوان المراجع العام كيف تجمع وكم تبلغ وكيف تنفق ؟ . فلماذا نجحت النهضة الزراعية السعودية والتى لا تتوفر لها عناصر الأرض الخصبة والمياه العذية ؟ ولماذا فشلت وستفشل النهضة الزراعية السودانية التى تتوفر لها جميع العناصر ، عدا عنصر الإرادة الداخلية والعلاقات الخارجية ؟ فى البدء دعونا نتعرف على أسباب نجاح النهضة الزراعية السعودية فيما بين 1970م – 2000م ؟ أنقل لكم جزء من التقرير الذى أعده البنك الدولى عن الدعم الحكومي السعودي للمزارع ، كما سأنقل لكم فى مكان آخر من هذا المقال مانشر بصحيفة " الإقتصادية " السعودية اليومية العدد رقم 3390 – صفحة شـركات – الصادر فى يوم الأربعاء 22/1/2003م للكاتب الصحفى السعودى إسماعيل على والذى مازلت أحتفظ به لأهميته عن أسباب الهدم الزراعى فى السودان المقصود لإفشال عملية النهضة ونعود ونلقى باللوم على أمريكا والغرب . خصص هذا الجزء من مسودة تقرير البنك الدولى لدعم الحكومة السعودية لمزارعيها فى مرحلة التجهيز والزراعة :
AS A CONSEQUENCE OF THAT POLICY , THE PEROID 1979 – 1988 SHOWS THE HIGHEST RATES OF GROWTH IN AGRICULTRE IRRIGATION IN THE KINGDOM . PERMITS WERE GRANTED TO FARMERS AND PRIVATE COMPANIES IN THOSE REGIONS WHERE EXPLORATIONS BY THE PUBLIC SECTOR HAD REVEALED THE EXISTENCE OF GROUNDWATER . THE PERMITS ALLOWED FARMERS TO DRILL WELLS WITH INTERESET-FREE LOANS AND 50% SUBSIDES OF THE COST OF PUMPING STATIONS . IN ADDITION , FARMERS COULD GET INTEREST FREE-LOANS FOR EQUIPPING THEIR FARMS WITH MODERN IRRIGATION SYSTEMS . AGRICULTURAL ENTERPRISES ALSO RECEIVE SIGNIFICANT INDIRECT OR IMPLICIT SUBSIDES IN THE FORM OF LOW ENERGY PRICES FOR DIESEL AND ELECTRIC POWER USED IN IRRIGATION . MOREOVER , AGRICULTURAL ENTERPRISES HAVE FREE ACCESS TO NON-RENEWABLE GROUNDWATER RESOURCE
{ وكنتيجة لتلك السياسة فإن الفترة فيما بين العام 1979م الى العام 1988م شهدت أعلى معدل للنمو في الرَيِّ الزراعى بالمملكة ، حيث كانت تمنح الرُخَص إلى المزارعين وشركاتِ القطاع الخاص السعودى في تلك المناطقِ بعد أن كشفت نتائج الفحوصات والإستكشافات التى أجراها القطاع العامِ عن وجودَ كميات كبيرة من المياه الجوفيّةِ ، فمنحت الرُخَصُ للمزارعين لحَفْر الآبار بقروضِ حسنة خالية من أى أرباح مع خصم يصل الى 50% مِنْ تكلفةِ طلمبات الري ( المضخات) ، بالإضافة الى أن المزارعين يُمْكِنُهم أَنْ يَحْصلوا على قروضِ ميسرة خالية من الأرباح لتَجهيز مزارعِهم بأنظمةِ الرَيِّ الحديثةِ ( الري المحوري ) . كذلك تستلم المشاريعُ الزراعيةُ إعانات مالية غير مباشرة على شكل أسعارِ طاقة منخفضةِ للديزلِ والطاقة الكهربائيةِ المستخدمة في الرَيِّ، علاوة على ذلك فإن المشاريع الزراعية يسمح لها بالدخول المجاني إلى مصادرِ المياه الجوفيّةِ الغيرِ قابلة للتجديدِ ولاتؤخذ منها رسوم مياه } . الصورة الثانية والأهم فى مجال الدعم السعودى لمزارعية ، هو دعم لمرحلة مابعد الحصاد وهو الضمان للبيع بسعر مجزى جعل جل السعوديين يهجرون التجارة والصناعة والعمل الحكومى ليتجهوا نحو الزراعة وإمتلاك المزارع حتى أصبح للسعوديين أكبر مزرعتين للألبان فى العالم فى وسط شبه جزيرة العرب هما ( ألبان الصافى والمراعى ) اللتين يفضل إنتاجهما كل من حج أو أعتمر أو إغترب ، وكثيرأ ماتمازحنى إبنتى المكارم بأنى عدت مرة ثانية للإغتراب بالسعودية من أجل حليب المراعى والصافى وتمور السعودية من صقعى ونبوت سيف وخلاص الرياض وسكرى القصيم ، فمن شرب من حليب السعودية وأكل من تمورها لابد له من عودة ، ولتسقط مقولة من شرب مياه النيل . كذلك جاء فى مسودة تقرير البنك الدولى مايلى : DURING THE 1990s THE GOVERNMENT STARTED TO TAKE MEASURES AIMED AT REDUCING PRESSURE ON WATER BY STOPPING LAND DISTRIBUTION , IMPOSSING PRODUCTION QUOTAS ON WHEAT FARMERS , BANNING WHEAT AND FORAGE EXPORTS AND JUST RECENTLY NOT PURCHASING BARLEYS FROM FARMERS . THE GOVERNMENT ALSO BANNED THE EXPORT OF WATER-INTENSIVE FORAGE CROPS SUCH AS ALFALFA THAT ARE USED IN DAIRY PRODUCTION . WITH THE SAME OBJECTIVE OF SAVING WATER , THE MINISTRY OF AGRICULTURE PROMOTED THE GENERALIZATION OF MODERN IRRIGATION TECHNIQUES BY PROVIDING SUBSIDIZED TREE SEEDINGS ONLY TO THE FARMS ALREADY EQUIPED WITH THESE SYSTEMS . THESE MEASURES ENCOURAGED FARMERS TO SWITCH FROM CULTIVATING WHEAT TO FRUITS TREES . AS A RESUILT OF CURTAILING SUBSIDIES AND PRICE SUPPORT PROGRAMS هذا الجزء من تقرير بعثة البنك الدولى للسعودية ، يتحدث عن تقليل الضغط على مخزونها من المياه الجوفية بوقف توزيع الأراضى الزراعية ، التقليل من زراعة كوتات القمح والعلف بالإضافة الى رفع الدعم الحكومى لشراء الشعير من المزارع ومنع تصدير البرسيم ذاك العلف الحيوانى الذى يحتاج لكميات كبيرة من المياه والذى كان ينتج بكميات كبيرة تفى الحاجة المحلية لمزارع الألبان السعودية ويصدر جزء مقدر منه لدول الخليج ، فأكتفوا بزراعة مايفى حاجتهم حفاظا على مخزونهم الجوفى ، مما دفع بالمزارعين للإتجاه لزراعة الخضر وأشجار الفواكه بدلا من القمح َنتيجة لتقليل الإعانات الماليةِ وبرامجِ دعمِ الأسعار . هذا هو مربط الفرس ، عندما تم دعم سعر بيع المنتجات الزراعية وليس المعينات الزراعية من توزيع للأراضى وقروض ميسره للآليات والوقود ، إندفع المزارعون نحو الزراعة وحينما قننت الدولة الزراعة وأوقفت دعم أسعار البيع لبعض المحاصيل توقف المزراع عن زراعتها وأتجه نحو زراعة أشحار الفواكة والخضر والتمور . يخيل لى أن الصورة قد إتضحت للقارىء لأسباب النجاح لدي (السعوديين ) وأسباب الفشل لدي ( السودانيين ) والذى يتلخص فى عدم وجود برنامج سودانى لضمان دعم سعر بيع المنتج بالقدر الذى يحقق ربحية للمزارع السودانى . وقد يتهكم البعض من حديثى ويقول أتريد أن تعقد مقارنة بين دولة تنتج 9 مليون برميل نفط فى اليوم وعدد سكانها لايتجاوز 27 مليون نسمة ، مع دولة تنتج نصف مليون برميل فى اليوم وعدد سكانها تجاوز 42 مليون نسمة ؟ فلهؤلاء أقول إذا لم تكن لديكم القدرة لدعم المزارع فى مراحل الزراعة الثلاثة ( الزراعة – الحصاد – ضمان التسويق المجزى للمنتج ) توقفوا عن الزراعة وأزرعوا كما زرع الآباء والأجداد لمايزيد عن 7 ألف سنة منذ ان كان السودان القديم جزء من ممالك النوبة التى حكمت مصر والسودان ، توقفوا عن القروض البنكية ذات الأرباح الربوية التى زجت بمعظم الزراع فى السجون وعودوا للزراعة التقليدية بالساقية والشادوف لإنتاج مايسد الرمق وعيشوا حياة الآباء والأجداد البسيطة حتى يصل صادرنا من البترول لمستويات تعطي الدولة القدرة على تحقيق برنامج سودانى لضمان دعم الأسعار لبيع المنتج بما يحقق ربحية للمزارع السودانى ، أو غيروا سياساتكم الخارجية وقدموا بعض التنازلات من ثوابتكم حتى تنالوا ثقة الدول الكبرى مهيئين الجو الصحى لجلب المستثمرين الأجانب والعرب ليتولوا مشكورين الزراعة نيابة عنا مع ضمانة فتح اسواقهم لمنتجاتنا الزراعية . لاتلعنوا الغرب وأنتم تعلمون أنه من يصنع الأليات الزراعية والأسمدة والمبيدات الحشرية ، لاتلعنوا الغرب وأنتم تعلمون أنه من يتحكم فى الأسعار العالمية للحبوب ، لاتعجبوا بماوصلت إليه اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا ونمور آسيا وأنتم تعلمون أنهم ماكانوا ليصلوا الى ماوصلوا إليه دون تصالحهم مع الغرب بعد نهاية الحرب العالمية الثانية . الغرب قوة رضينا بها أم أبيناها ، إن أراد خفض قيمة الحبوب عالميا حين ننتجها ليدخل مزارعينا السجون يغرق أسواقنا وأسواق المنطقة التى حولنا بمنتجاته من نفس الحبوب التى فى الغالب توزع كإعانات كتب عليه شعار المعونة الأمريكية US AID ، وعندما يخسر المزراع يتوقف عن الزراعة للعوز يصب الغرب جزءً مقدرآ من مخزونه من الحبوب فى مياه المحيط ليتسبب فى رفع سعرها ، ونحن نلهث خاسرين إن زرعنا أو لم نزرع ، حتى إرتفع حجم المديونية العامة لبلادنا لرقم تجاوز الثلاثين مليار دولار ملزم أبناؤنا وأحفادنا فى المستقبل بسداداها دون ذنب لهم سوي أن آبائهم إختاروا السير فى الطريق الخطأ ، حتى وصل ربع الذره الذى كنا نشتريه بقرشين فى الماضى الى ثمانمائة ألف قرش خلال شهر أغسطس 2008م وقابل للزيادة . دعونا نتعرف على المعوقات والمشاكل التى تواجه المستثمر الأجنبى بالسودان ، فالنجاح يقاس بالدرجات والدرجات التى يبحث عنها المستثمر ( وطني ، عربى أو أجنبى ) تتلخص فى معادلة رياضية بسيطة : تكلفة الإنتاج لجوال الذرة القمح الشعير الدخن أو طن العلف أو غيره > يجب أن تكون أقل من سعر البيع وإلا كانت الخسارة ، وبالخسارة يخرج المستثمر الأجنبى ولايعيد الكرة بعد أن يخسر رأسماله ، أما المستثمر الوطني ، فيذهب للسجن حتى سداد قيمة القرض للبنك . بهذ المعادلة الرياضية البسيطة يحقق المزارع الربح وبالربح تنفتح شهية المزارع لتجهيز الأرض من ماله الخاص للموسم القادم فالمزارع لايهمه كم جوال أنتج أو كم فدان زرع ، المهم كم جنيه دخل جيبه بعد الحصاد وهل مادخل جيبه يزيد أم يقل عن ما أنفقه فالمزارع الذى ينتج مائة ألف جوال دون ضمانة الدولة لبيع مجزى يخرج من سوق الزراعة ويذهب للسجن حتى سداد التمويل البنكى وهذا ماحدث وماسيحدث لكل مزارعى السودان إن لم تتغير السياسات الزراعية فى بلادنا التى تدعم المزارع عند مرحلة الزراعة والحصاد وتتركه لمضاربة السوق وشيطان العرض والطلب ، بينما لم يذهب مزارع سعودى واحد للسجن أو يضطر لبيع ممتلكاته من منزل وخلافه لتسديد قروض التمويل الزراعى ، فتعالوا معى نطلع على التجربيتن اللتين حدثتا فى بلدين ، تتوفر فى إحداهما كل مقومات النجاح الزراعى من أرض خصبة تقدر بملايين الأفدنة وأنهر جارية وأمطار موسمية ومخزون جوفى كبير لمياه عذبة ومناخات متنوعة ، وبلد تعتبر الدولة الأكبر فى العالم التى لايوجد بها نهر أو بركة مائية عذبة وأمطارها شحيحة وتأتى على فترات متفاوته ، فلماذا حققت النهضة الزراعية السعودية نجاحا باهرا خلال العقود الثلاثة المنصرمة 1970م – 2000م حتى أصبحت السعودية تملك أكبر مزرعتي ألبان فى العالم وتغذى كل دول الخليج بالتمور والخضروات ومنتجات الألبان ، ولماذا ؟؟؟ . معوقات أمام المستثمر الأجنبى نشرت قبل أكثر من خمسة سنوات نأمل من الدكتور عجيمي الرد على ماتمت معالجته منها : أمامى العدد رقم 3390 لصحيفة " الإقتصادية " السعودية اليومية – صفحة شـركات – الصادر فى يوم الأربعاء 22/1/2003م وقد لفت نظرى مقال إسماعيل على من الرياض { توجه لدى السعوديين للإستثمار الجماعى بالسودان } ، فسعدت أيما سعادة بهذا الخبر ومن منا لايريد الخير لوطنه ، خاصة إذا كان هذا الشخص قد غادر وطنه قبل إسبوع فقط من تاريخ هذا الخبر مغتربآ بدول الخليج وللمرة الثانية وهو على أعتاب الستين من عمره يعانى من مرض السكر والماء البيضاء فى العيون ، وقد كان مشوار غربته الأول بدول الخليج فيما بين 1974م و 1988م شاباً قويا معافى لم يتجاوز الخامسة والعشرين ، مما يؤكد أن قرار الغربة الثانى دليل لايحتاج لتاكيد بأن الوطن أصبح ضيقآ لايسع كل أبنائه وما الألوف التى تصتف يوميآ أمام الباب الشمالى للسفارة السعودية بالخرطوم إلا تأكيدآ لهذا الضيق وأن المليون ميل مربع من الأرض الخصبة والموارد الطبيعية والمياه الوفيرة أصبحت لاتفى باقل الأحتياجات الضرورية لإنسان السودان . لذا كان خبر وصول جماعى لمستثمريين سعوديين مصدر سعادة لى فتناولت الصحيفة لأقرأ ما بين السطور ، فأصبت بخيبة أمل كبيرة ، فقد كان هذا الخبر الدقيق عبارة عن إصدار شهادة وفاة للإستثمار فى المجال الزراعى بالسودان وإدانة لكل سوداني معني بأمر الأسـتثمار فى السودان . لاتعليق لى على الخبر وسـأورده كاملآ كما ورد : { أكد " للإقتصادية " مستثمرون سعوديون فى السودان على جدوى وأهمية الأستثمار الزراعى فى السودان ، خاصة فى مجال زراعة الأعلاف التى تقل تكلفتها بنسبة 50% عن السعودية . وشدد المزارعون على ضرورة أن يكون الأستثمار جماعيآ للحد من المخاطر والخسائر التى تعترض المستثمرين ، وذلك من خلال إقامة شركة سعودية للإستثمار فى السودان يكون ضمن أهدافها بحث طبيعة الأستثمار فى ذلك البلد ومعوقاته . وتعرف الأجتماع الذى نظمته اللجنة الزراعية فى غرفة الرياض أمس ، على تجارب مستثمرين سعوديين فى السودان على أرض الواقع وطبيعة المناخ الأستثمارى ومزاياه وحجم المشاكل التى إعترضتهم ، والتى تم حصرها فى : عدم توافر قطع الغيار للمعدات الزراعية فى السودان ، كثرة الرسوم والضرائب على المعدات والأليات الزراعية وإرتفاعها ، وجود إشكاليات متعددة فى موضوع ملكية الأرض لإعتراض الأهالى والقرويين على قرار الحكومة منح المستثمرين الأجانب أراضى زراعية على ضفاف النيل فى ولاياتهم ، إختلاف مرجعية القرار من منطقة لأخرى ، وجود تضارب فى الصلاحيات بين الولاة والمجالس التشريعية لكل ولاية ، عدم توافر وسائل نقل حديثة من مناطق الأنتاج الى الميناء ، عدم وجود محاكم خاصة للمستثمرين الأجانب لفض النزاعات العمالية ، ضعف البنية التحتية ، عدم توافر الأسمدة والمبيدات فى السوق السودانية ، عدم توافر سيولة نقدية فى المصارف السودانية وتغيير القوانين الخاصة بالمستثمرين الأجانب عدة مرات} . هذا الكم الهائل من المشاكل الذى يعيق الأستثمار بالسودان كما شخصه الأخوة السعوديون دليل واضح على فشل نظام الحكم الإتحادى بالسودان مما يستدعى قيام حكومة مركزية قوية بالخرطوم وإستبدال الولاة كل الولاة بحكام عسكريين ينصاعون لتعليمات المركز حتى يفتح الله على السودان بنظام ديمقراطي حقيقي وليس ديمقراطية مزيفة . إن أسوأ ما تضمنه هذا التقرير ، هو إختلاف مرجعية القرار و تضارب الصلاحيات ، مما يعنى ضعف المركز وعدم إمتثال الولايات ومايتبعها من محافظات ومحليات لسياسة الدولة العامة وقراراتها ، وقد عانينا كثيرآ من وجود (قائدين) حتى تدارك البشير الأمر بإزاحتة لعرابه حسن الترابى ، وليته يفعلها مرة ثانية ويزيح عن صدر الشعب السودانى هذا الكم الهائل من النواب والمساعديين والمستشاريين والوزارء ووزراء الدولة والولاة ونوابهم ووزراء الولايات وأعضاء المجلس الوطنى والمجالس التشريعة ومنسقي المنسقيات وعشرات الألاف من أصحاب الرتب الدستورية العليا بحكومات الشمال وحكومة الجنوب وحكومات الترضية فى الشرق والغرب الذين أثقلوا كاهل الشعب السودانى بمخصصاتهم ورواتبهم الكبيرة دون أن يحلوا أى مشكلة من مشاكل هذا الشعب المزمنة حتى عجز المركز عن تسديد مرتبات المعلمين وغيرهم وترك الأمر للمحليات تجبي المال بالطرق التى تحلو لها لسداد مخصصاتهم ، فقطعت المحليات الطرق الرئيسية بأوامر محلية وشرطة وسلاح تجبى المليارات من الأموال المجنبة التى لاتورد لخزينة الدولة ، ويجبى الولاة مايحلو لهم من مليارات بإسم النفايات وتجبى جهات أخرى محرم الحديث عنها المليارات بإسم دمغات دمغة الشعب السودانى بالزل والهوان ، ليعم الفساد كل شىء حتى قال عنهم شريكهم فى الحكم ( دولة فاشلة ، خاسرة وفاسدة ) أثقلت عتاواتهم القسرية كاهل المواطن العادى الفقير والمواطن المنتج والمستثمر العربى والأجنبى وتسببت فيما عرف فى تقرير غرفة تجارة الرياض إختلاف مرجعية القرار و تضارب الصلاحيات ، بل زادوا مشاكل المواطن السودانى وأرهقوا ( محمد أحمد ) دافع الضريبة ، فتحول عدد كبير من أثرياء السودان الى فقراء ومتسولين فى الداخل والخارج وقد إعترف بذلك الـيد الرئيس المشير عمر البشير فى خطاب ولايته الثانية حين قال إن سياسة ( الأنقاذ ) أفقرت الشعب السودانى وذكر بأن سيتولى تفكيك شركات القطاع العام لرفع المعاناة والفقر عن الشعب السودانى ، فصفقنا له وذهبت لمركز الجريف غرب بالحارة الرابعة وأدليت بصوتى لمن قرر أن ينحاذ لشعبه ورفع الفقر عنه ، لم أدلي بصوتى للبشير فقط بل قلت لإبنى المدثر الذى كان برفقتى عندما تدخل القطية لاتنسى تشغيل المروحة ، فكنت أذكره برمز القطية والمروحة وليتى لم افعل حيث لم ينفذ السيد الرئيس قراره بتفكيك هذه المؤسسات بل زاد عددها وتوسع فى نشاطها توسعآ أطبق على أنفاسي فخرجت مغادرا للوطن بخروج نهائى وأن السيد الرئيس لم يعد لذكر ذلك الحديث الذى أسعدنى للحظات . فالدولة فى عهد ( الإنقاذ ؟؟ ) قد إحتكرت حتى أعمال البناء وتحول برنامج الأنقاذ الأقتصادى من نظام الإقتصاد الإسلامى الى نظام الإقتصادى الشيوعى . فإحتكروا المال والسلطة فى يد دولة قوية بالمال والسلاح ، تحكم شعب فقير وضعيف ومريض وممزق نفسياً ، أشبه بما كنا نشاهده فى رومانيا على عهد شاوشيسكو . فأصبحت الدولة ومؤسساتها تملك كل شىء وتباشر كل شىء حتى أنها دخلت سوق مراكز الأتصالات ومحلات تصوير المستندات والطباعة بالكمبيوتر لتأمين موارد دخل إضافة لتلك الوزارات تجنب وتوزع دون علم ديوان المراجعة ، رأسمالها المال العام ، بعد أن إحتكرت بالكامل صناعة شق الطرق وتنفذ شبكات الصرف الصحى والمياه بمؤسساتها العامة المملوكة لها أو بمؤسسات أنظمتها الحزبية ومؤسسات الهيئات الإسلامية التابعة لهم ، فحولت بسياستها الأقتصادية تلك الشعب السودانى كله الى ثلاثة فئات : فئة المتمكنين والمنتفعين واصحاب الحظوة من الملتزمين والملتصقين بهم وهى الفئة التى ذكرها السيد رئيس الجمهورية فى المقابلة التلفزيونية مع قناة الجزيرة والمذيع أحمد منصور حين سأل فخامته { فخامة الرئيس مع إنتاجكم للبترول ومواردكم المتعددة إلا أن أوضاع الشعب السودانى لم تتحسن؟} فرد عليه فخامة الرئيس { لا ، فى ناس أوضاعها تحسنت } كنا نتوقع من الأستاذ /أحمد منصور أن يواصل الحديث ويتوجه بسؤال للسيد الرئيس لنتعرف على هذه الفئة التى تحسنت أحوالها دون غيرها ؟ وهل الإنقاذ جاءت لتحسين أحوال فئة دون أخرى ؟ كنا نأمل أن يواصل الأستاذ/ أحمد منصور أسئلته ليعرفنا على هذه الفئة ، يعرفون بسيمائهم وسياراتهم ولايشكلون أكثر من 5% من السكان . الفئة الثانية فئة المطحونين ، ممن يعملون فى القطاعين العام والخاص أو جحافل العاطلين وأصحاب المهن الهامشية ، من أصحاب الدخول التى لاتكفى حتى ولو لوجبة واحدة ، وهذه الفئة تشكل حوالى 90% من نسبة السكان ، أما الفئة الثالثة وهى فئة الناجين أو الهاربين ويطلق عليهم إسم المغتربين فهم أفضل حالآ من الفئة الثانية وإن كانت غالبيتهم تعانى الأمرين فى دول المهجر ولم تحقق نجاحا وتخشى من العودة لوطن لامستقبل فيه ، مخاطرة تتنوع وتتجدد حتى بدأنا نسمع بأن نخيله لاطائراته قد بدأ يحترق بالألاف . عن المخاطر الإستثمارية بالسودان أمامى نسخة من العدد 3398 من – صحيفة " الإقتصادية " السعودية – الصـادر يوم الخميس 30/1/2003م وفى صفحتها الأولى مقال سلمان الدوسـرى من الدمام { تصنيف السعودية إسـتثماريآ فى درجة مخاطر منخفضة } جاء فيه : { إعتبر تقرير صدر عن المؤسسة العربية لضمان الأستثمار إستنادآ الى مجموعة بى آر أس للإستثمار فى السعودية ، دولآ عربية تصدرتها الإمارات ، الكويت والبحرين فى درجة مخاطر إستثمارية منخفضة جدآ ، فيما جاءت السعودية ، قطر ، عمان ، المغرب ، تونس ، الأردن ، سورية وليبيا فى درجة مخاطر إستثمارية منخفضة ، وتم تصنيف مصر ، اليمن والجزائر فى درجة مخاطر إستثمارية معتدلة وتصنيف لبنان فى درجة مخاطر إستثمارية مرتفعة ، كما تم تصنيف العراق والسودان فى درجة مخاطر إستثمارية مرتفعة جدآ } وهذه أيضآ شهادة وفاة أخرى للإستثمار فى السودان مع كل مانسمعه من جميل القول ومايردده المسئولين من معسول الكلام الذى لايملأ خزائن بنوكنا الخاوية من السيولة ولايساعد فى تقوية البنية التحتية ، فلم نجد من يشخص الداء أو يعطى الدواء لهذه العلل المزمنة . فقط أريد أن أسأل : هل ياترى لسفاراتنا وملحقياتنا فى الخارج إشتراك فى هذه الصحيفة الأقتصادية الهامة ومثيلاتها ، وإذا كان لديهم إشتراك وإطلعوا على مثل هذين التقريرين الخطيرين ، هل قاموا برفعهما لجهة الأختصاص بالسودان للرد عليهما فى نفس الصحيفة " الأقتصادية " إن لم تكن معلومات دقيقة حتى لاتهتز ثقة المستثمر العربى فى (الأستثمار فى السودان) ؟ ، أو لتلافى القصور وتصحيح مسارنا الأقتصادى والأستثمارى إن كانت التقارير صحيحة ، حتى يسع الوطن الملايين التى تبحث عن لقمة العيش فى ديار الغربة وأنا من بين هذه الملايين فى الجولة الثانية والأخيرة من الإغتراب ، فلم يبق من العمر الكثير ، فهلا نبحث عن سودان يحقق الحياة الكريمة لكل أهل السودان وليس لفئة بعينها كما ورد فى رد فخامة الرئيس على سؤال المذيع الإعلامى بقناة الجزيرة أحمد منصور .
-------------------------------------------------------------------------------------------------
مقال رقم (4)
مواضيع ثقافية كتبت فى مواقع أخرى عن سيرة الحركة الإسلامية الحديثة فى السودان أنقلها بتصرف ليتعرف الجيل السودانى الحديث على تاريخ وبدايات هذه الجماعة التى شغلت السودان والمنطقة والعالم كله خلال عقدين من الزمن وماهى المسافة التى تفصل بينهم وبين فكر حسن البنا :
النهج الديمقراطى السليم الذى إنتهجه قطبا الديمقراطية السودانية ( الإتحادى بشقيه بزعامة الأزهرى والميرغنى والأمة بزعامة أبناء وأحفاد الإمام عبد الرحمن المهدى ) وإسلوبهما فى إفساح المجال لكل التيارات السياسية السودانية الحديثة أن تطرح برنامجها على الشارع السودانى دون إقصاء أو حجب للرأى الأخر ، مما أتاح للحركة الإسلامية السودانية الحديثة أن تنمو وتزدهر دون أن تتعرض للمواجهات والقمع الذى تعرضت له قريناتها فى مصر وسوريا والجزائر، واستطاعت أن تنمو من مجرد حركة طلابية بالجامعات لتصبح حزباً سياسياً بعد ثورة أكتوبر 1964 تحت اسم جبهة الميثاق ، ثم اندرجت فى المصالحة مع النميرى عام 1977، بعد أن كانت قد اشتركت فى مواجهته عسكريا فى جزيرة آبا عام 1970، وفى غزو المعارضة من الأراضى الليبية عام 1976.
تمددت الحركة منذ ذلك الحين بصورة غير مسبوقة حيث دخلت المصالحة باستراتيجية سرية تسعى إلى زيادة عدد عضويتها وإنشاء واجهات تنظيمية واقتصادية واجتماعية تعمل من خلالها من وراء ستار ، وأطلقت على هذا النهج استراتيجية التمكين ، وهو ما حدث بالفعل ، إذ تحولت الحركة إلى ثالث أكبر قوة سياسية فى السودان عقب الإطاحة بنميرى فى 1985، وأحرزت 51 مقعداً فى انتخابات 1986، وهو إنجاز غير مسبوق بالنظر إلى أن الحزب الاتحادى الديمقراطى الذى يقوده الميرغنى ، خرج فائزاً بـ 63 مقعداً فقط ، وهو الحزب الأكبر تاريخيا ، والذى كان يسيطر تقليديا على كل البرلمانات المنتخبة بعد استقلال السودان .
وقد تواصلت مسيرة الحركة الإسلامية فى السودان إلى أن قامت بالاستيلاء منفردة على الحكم عبر انقلاب الإنقاذ العسكرى فى 30 يوليو 1989، وتربعت على سدة الحكم ، ترفع شعاراتها وتطبق سياستها التى أعلنتها من قبل .
حادى الركب فى هذه المسيرة كان د.حسن الترابى القائد والأب الروحى وحادى الركب ، فهو الذى قام بإقناع قادة الحركة بالتحول من نهج التربية الذى يعتنقه الإخوان المسلمون، إلى نهج التفاعل السياسى مع الواقع ، وقاد الدعوة إلى التجديد والعودة إلى أصول الدين وطرح نظريته الشهيرة بأن الإيمان هو حركة التدين فى الحياة التى تسعى إلى استنزال المثال المطلق على الواقع المتغير، وتحرك - تبعاً لذلك - فى مساحات واسعة من فقه الضرورة ، وفى سبيل ذلك اصطدم بالحركة الأم التى استبعدته من التنظيم الدولى للإخوان ، إلا أن شخصيته التى تتسم بالحيوية والعناد والمثابرة دفعته بعد وقوع المفاصلة مع الحركة الأم ، إلى القيام بنشاط واسع فى أوروبا والولايات المتحدة ، كما بدأ تعميق صلاته مع الحركات الإسلامية فى آسيا ، فى محاولة لتأسيس تنظيم إسلامى عالمى جديد ، يقوم على التنسيق والمؤازرة بديلا عن مركزية الإخوان والعلاقة الرأسية فى تنظيمهم .
يذكر أيضاً أن الترابى ومنذ عام 1964 أصبح هو القائد الحركى والسياسى والفكرى للحركة الإسلامية فى السودان فى آن واحد ، وبلا منازع ، كما بدأ نجمه فى اللمعان وتجاوز الأطر المحلية والإقليمية عقب إنجازه اللافت للنظر فى انتخابات 1986، وقد استخدم فى ذلك قدراته على التعبئة والحشد ، مستغلاً مواهبه الفكرية ومهارته فى الخطابة والتعامل مع الإعلام .
وحين استولت الحركة على الحكم فى 1989، سعى إلى أن يطرح نفسه كمتحدث باسم الحركات الإسلامية فى العالم فى إطار إجراء حوار أو عقد صفقة مع الغرب . فقد لعب دوراً مميزاً فى أزمة غزو الكويت بقيادته لوفد الحركات الإسلامية ومحاولته التوسط لمنع الحرب ، وإن كان فشل هذه المحاولة قد جر الويلات عليه وعلى نظام الإنقاذ فى السودان، إذ أكسبه ذلك عداءً سافراً من مصر والسعودية ، بالإضافة إلى عدم الترحيب بأطروحاته من جانب الولايات المتحدة والغرب عموما، عدا فرنسا التى تعاونت معه فى بعض القضايا ، ليدخل السودان فى حصار وعداوة كل جيرانه والمنطقة العربية والعالم .
فى هذا السياق قام الترابى بتأسيس المؤتمر الشعبى العربى الإسلامى الذى جمع كل الحركات الإسلامية والقومية المعارضة فى العالم العربى ، فى محاولة لتكريس نوع من القيادة وزيادة مساحات الحركة الإقليمية أمام نظام الإنقاذ ، بحيث يحصل على قدر من النفوذ الخارجى لكى يحمى به نظامه فى الداخل ويفك عن نفسه العزلة ، مكرراً فى ذلك تجربة الرئيس عبد الناصر فى مصر ، وإن لم يراع الاختلاف البيّن بين التكوينين المصرى والسودانى فضلاً عن تغير الظروف الدولية .
والشاهد هنا أن الترابى استطاع أن يهيمن على جهاز الدولة وأعلن انتقال حركته من طور القوة السياسية التى تسعى إلى تطبيق برنامج معين، إلى طور الدولة التى ينبغى لها أن تصبغ المجتمع كله بصبغتها، وفى سبيل ذلك قام بحركة تطهير واسعة فى القوات المسلحة والخدمة المدنية تحت مسمى ( الصالح العام ) وأعاد صياغة أجهزة الأمن، والأهم أنه قام بحل تنظيم الحركة الإسلامية واستعاض عنه بتنظيم جديد هو حزب المؤتمر الوطنى كتيار جامع يقوم على تحالف عريض بين المكونات المختلفة للمجتمع يقوده الإسلاميون، ويسحبون الآخرين من مسلمين ومسيحيين ولادينين وراءهم للعب أدوار متناثرة فى تنفيذ مخطط الترابى. أما على الصعيد العالمى فقد بدأ الترابى طامحاً بقوة إلى دور عالمى، واصبح واضحاً أنه يعتبر نفسه قيادة أكبر حجما من الوعاء السودانى الذى لا يستطيع احتواء عطائه الفكرى والحركى حسب إعتقاده .
ورغم النجاحات التى بدأ نظام الإنقاذ يحققها فى الداخل فى عهده الأول 1989 - 1996 خاصة فى الجنوب بإحراز انتصارات عسكرية كادت أن تحقق هدفها النهائى بالقضاء على الحركة الشعبية عام 1993، لولا عودة الدعم الخارجى لها من مجمع الكنائس والصهيونية العالمية خوفآ من شخصية حسن الترابى المثيرة للجدل ، فجلب بسلوكه ذلك الكراهية العالمية على الإنقاذ ، وترافق ذلك مع أثمان باهظة شعبيا نتيجة إجراءات الإقصاء والإبعاد وانتهاك حقوق الإنسان ، التى لم يلتفت إليها الترابى ونظامه كثيراً ، إلى أن جاءت محاولة اغتيال الرئيس مبارك بأديس أبابا فى مايو 1995 والتى كانت البداية الحقيقية للعد التنازلى لتجربة الإنقاذ ، فقد بدأت الخلافات التنظيمية فى الداخل ، وازداد الضغط الخارجى على نظام الإنقاذ ، إلى أن حدثت المفاصلة الشهيرة ووقع الانشقاق داخل الحركة فى ديسمبر 1999، فيماعرف إعلامياً بقرارات 4 رمضان التى ترتب عليها خروج الترابى ومؤيديه وتكوين ما عرف باسم حزب المؤتمر الوطنى الشعبى والذى جرى تعديل اسمه لاحقا إلى المؤتمر الشعبى .
وقد تعددت التفسيرات التى حاولت أن تحلل ما حدث ، بدءاً بالقول أنها مسرحية مدبرة بين الطرفين ، وانتهاء بأن الترابى أدرك مبكراً أن مآلات تجربة الإنقاذ هى الفشل ، ومن ثم تعمد تصعيد الخلاف وإخراجه بهذا الشكل الذى يسمح له بالتبرؤ من أخطاء التجربة عبر مهاجمتها بعنف وتبنى طروحات جديدة عن الحرية وتداول السلطة والدفاع عن المهمشين حفاظاً على مكانته فى التاريخين السودانى والإسلامى ، الأمر الذى يوليه الترابى اهتماماً كبيراً .
لكن الحقيقة الوحيدة الباقية هى أن ما جرى ليس إلا نزاعاً على السلطة وقع فى صفوف الحركة الإسلامية بعد أن وصلت إلى الحكم، وهى بذلك لا تعد استثناء قياساً إلى الحركات السياسية فى العالم الثالث. وطبقاً لقواعد الصراع، فقد فاز الطرف الأكثر تحكماً فى أدوات الدولة وأجهزتها، خاصة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمالية ، وهو تحالف الرئيس البشير ونائبه الأول على عثمان طه، الذى كان نائباً للترابى فى الحركة لفترة طويلة فى السابق، واستطاع هذا التحالف أن يستقطب شرائح لا بأس بها من أنصار الحركة الإسلامية، الذين بقى بعضهم طمعاً فى ذهب المعز، بينما بقى بعضهم الآخر لتحفظهم على موقف د.الترابى وعدم اقتناعهم بطروحاته إبان الانشقاق، إذ كان ينتقد سلوك النظام وأداءه ومنطلقاته، فى حين أن النظام كله كان خارجاً من عباءة الترابى ويعمل طبقاً للمفاهيم والأسس والآليات التى وضعها بنفسه.
وقد أدى ذلك الوضع إلى انشطار الحركة الإسلامية فى السودان وحدوث شرخ هائل فى مصداقيتها وفى جدية خطابها السياسى وجدارته أخلاقيا وعمليا ، فالترابى رمى تلامذته الذين تمردوا عليه بكل نقيصة ممكنة، وتبنى خطاباً يناقض أطروحاته السابقة وبذل جهداً هائلاً لكى يقول أنه امتداد لخطابه فى المرحلة السابقة، والذى كان يهدف من ورائه إلى التمهيد لإطلاق الحريات ، وفى الوقت نفسه يسعى إلى إضعاف نظام الإنقاذ الحالى سياسياً وعسكرياً ويدعو إلى الثورة الشعبية للإطاحة به ، ويساند التمرد فى دارفور سياسياً من خلال تأييد مطالبه ، ويشارك عمليا أيضاً فى قيادة التمرد من خلال حركة العدالة والمساواة التى تتهمها الحكومة السودانية بأنها الذراع العسكرى لحزب المؤتمر الشعبى ، كما اتهمت الحكومة حزب المؤتمر الشعبى بتدبير محاولة تخريبية واسعة النطاق فى الخرطوم، واعتقلت العديد من العناصر، بالإضافة إلى د. الترابى نفسه الذى ظل رهن الاعتقال معظم الوقت منذ عام 2001 رغم الإفراج عنه لفترة قصيرة كانت كافية لإقناع جناح طه / البشير بأن إعادته للاعتقال أكثر أمنا للسودان فى هذه الظروف الانتقالية الحرجة التى تجرى فيها المفاوضات فى الجنوب والغرب . فخلال الإعلان عن المحاولة التخريبية الأخيرة قال الرئيس البشير كدنا نقول فى يوم من الأيام لا إله إلا الله محمد رسول الله ، والترابى ولى الله.. ولكن العمل مع الناس والاحتكاك بهم يكشف معادن الرجال، وأضاف إذا أصدرت قراراً اليوم بقطع رأسه ، فسوف أفعلها وأنا مطمئن لله . وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحكومة السودانية قامت بحملة واسعة لمطاردة قيادات وأعضاء حزب المؤتمر الشعبى المهتمين بالاشتراك فى المحاولة التخريبية ، مما اضطر المتهم الأساسى وهو دكتور الحاج آدم يوسف - كان وزيرا سابقاً فى النظام قبل الإنشقاق ومن أبناء دارفور - إلى الهرب للخارج ، ثم ظهر فى إريتريا مع الدكتور على الحاج (الذى كان يعمل نائباً للترابى، وكان مرشحاً لموقع النائب الأول لرئيس الجمهورية قبل الانشقاق) ينسقون مع المعارضة فى الخارج ويدعون لإسقاط نظام الإنقاذ من خلال الثورة الشعبية، ويرددون نفس مقولات المعارضة بأن هذا النظام لا تصلح معه التسويات السياسية بل يجب اقتلاعه من الجذور .
ومن ناحية أخرى تشير بعض التقارير إلى أن التحقيقات الحالية فى المحاولة التخريبية تشير إلى عدم ضلوع الترابى فيها وكذلك معظم قيادات المؤتمر الشعبى ، بما قد يؤيد مقولاتهم ، بأن جناح طه / البشير يلفق الاتهامات ويطاردهم لاستبعادهم من الحياة السياسية.
إن ما سبق مجرد ملامح عامة للإجابة على سؤال : ماذا بقى من الترابى؟ الذى تحتاج الإجابة عليه إلى بحث مستفيض، لكن الشواهد الأساسية، تقول بأن ما بقى من رحلة الترابى الفكرية والسياسية لخمسين عاماً خلت منذ بدأ مسيرته عام 1954، لم يبق منها إلا حطام تجربة سياسية تنازع الآن فى مرحلتها الأخيرة، ومقولات فكرية توصف فى أفضل الأحوال بأنها ملتبسة وكثيرآ مايوصف بالمارق للفتاوى المريبه التى يصدرها كإمامة المرأة وغيرها وقد يصل بالبعض لتكفيره .

ليست هناك تعليقات: