27‏/11‏/2008

الباب التاسع : تجربتي النجاح والفشل أدونهما من أجل أبنائى وبناتى للإعتبار بها

تجربتي النجاح والفشل فى الحياة اضعهما أمام أبنائى وبناتى من الجيل الجديد للإعتبار بهما
التجربة الأولى ( ماساة أسرة بكاملها سببها شيك طائر ) :
خصصت الباب التاسع من مدونتى ( رباطاب وسط ) لتجربتى الشخصية فى الحياة لأضعها كاملة بين يدي ابنائى وبناتى للإستفادة مما يصلح منها وترك ما لايفيدهم ، إلا أننى فى البدء سأتعرض لتجربة أخرى فاشلة عايشتها عن قرب تحكى مأساة اسرة سودانية بكاملها ، هى تجربة مواطن طيب بسيط أسمه (المواطن محمد أحمد) الذى سلبته الخرطوم منزله وصحته لتحتضنه دنقلا مسقط رأسه ، دنقلا النقية الطاهرة . سأحكى لكم تجربة أرى فيها الفشل كل الفشل لرجل بل لرجال سودانيين كثر تسببوا فى دمار أسرهم والرجوع بها لسنوات عديدة للخلف ، فالقصة حقيقية عايشتها لحظة بلحظة لرجل يملك بيت فى الكلاكلة القبة ويعمل عملآ يدر عليه أجر شهرى مقبول يفى بإحتياجات افراد اسرته الضرورية ، ولمثل هؤلاء اقول عليكم بالصبر وعدم الدخول فى مغامرات غير مضمونة العواقب حتى ينهى أبناؤكم مراحلهم الدراسية ويتأهلوا تأهيلآ عاليآ وهم جديرون بإحداث النقلة الإجتماعية للأسرة ، فالأبناء خير إستثمار ولكنه إستثمار بطىء ومضمون فأصبروا وصابروا ، أما التجارة والصناعة والزراعة فاثبتت التجارب أنها إستثمار سريع ذو حدين ، قد يرفعك الى قمة الهرم وقد يهوى بك الى غياهب السجون . صديقنا ( المواطن محمد أحمد ) دنقلاوى يسكن الكلاكلة يعيش فى منزله الملك مع أسرته الصغيرة وكل شىء يسير بصورة جيده منذ عشرات السنين ، إلا أن أتى جارهم دفع الله من الدوحة ومعه حافلة متسوبيشى ، ومايتبعها من نعيم مؤقت يلاحظه كل زائر لمنزل المغترب العائد . زوجة المواطن محمد أحمد بدأت ( تزن ) فى رأسه ( والله ناس أمونا مرت دفع الله ديل الحافلة دى كابه عليهم كب لايعلم به إلا الله ، نان شنو الفى نفسن متمننو وما لاقينو ، شوف عينى دى ولدن رمى التفاحة قبل مايكملها وأمحمد ولدى ثلاثة ساعات يعضى فى الدومة ، غفلتهم وشلت التفاحة غسلتها واديته زينب بنتى عشان تضوق التفاح قبل ماتموت ، ياراجل ماتمشى البلد تبيع الكم عضم بتاعت واطات ابوك الله يرحمه المالاقيين منها شىء ، وتدى أختك عاشة حقها وتجيب حقنا نشترى بيهو حافلة زى حقت ناس أمونا مرت دفع الله دحين الحافلة لو ما كويسه كان خلو ليها الشغل فى قطر ، فرد عليها محمد أحمد يامرا دايرانى ابيع واطات ابوى وابقى ضحكه فى البلد . طيب إنتا دايرنا نعيش كدى لى متين بكره الأولاد بيكروا وطلباتهم بتزيد ماشفت جارنا أحمد الشغال فى الحكومة أولاده فى الجامعة بيصرف الواحد فيهم كم مليون فى الشهر والعربات القدام البيت ثلاثة بسواقنهن غير حقتهم الملك مقرشنها جوا ومغطنها بالدمورية النفسى فيها عشان أنجد المراتب والدمورية ماقدرين نشتريها ، وماشفت أولاد أحمد الجوالات مايتقيف من الكلام ، ياوليه دا فى الحكومة ومنظم فى الحزب الحاكم ولحد اليوم شالوه من خمسة محلات لكترت اللهف واللغف اللغفه والمخالفات البيسويها والكلام الفى الجوالات دى وبنزين العربات الثلاثة وسواقينها كله من عرقنا ، نان مالو كل مايشيلوه من حته بيرجعو تانى ويعينوه فى مكان رويان وتريان أكثر من المكان الأولانى ، إنتى دايرانى يا ابيع واطات أبوى يا أكل أولادى أموال الشعب المحروم منها مريض السرطان والفشل الكلوى والعشانه قفلوا الداخليات ورفعوا يد الحكومة من كل شىء اسمه صرف وردموا علينا الجبايات ، حرم أنا لا اسوى دى ولا اسوى ديك ، أقعد فى سجمك ورمادك دا ، هو إنتا لاقى بس قول مالاقى ليك طريقة تمد كراعك معاهم ، إنتا ماضعيتها من ايامك فى الثانوى لو إتنظمت معاهم فى جماعة الأخوان كنت هسع مدير أومنسق بتاع اى شىء تكب علينا زى الخير الكابى عند ناس أحمد جارنا ، أكان كدى أخير أسكت ، طيب داير تسوى شنو . أنا ببيع ملكى بيتى دا واشترى حافلة ، حتى جارنا أحمد زول الحكومة قال عاوزه وحيشتريه بأى ثمن أنا أطلبه ، داير بى بيتنا شنو ؟ عشان عاوز يكسر البيت حقنا ويبنى ليهو فيلا فوقه تلات تدوار ، وبيته الساكن فيهو مالو ؟ دا قال عاوزه يكون بس حديقة للفيلا النفاض ينفضنا تذكر أحمد دا زمان كان شغال شنو ؟ يامرا سيبى الخلق للخالق ، والله لى هسع بذكر مرته لمان تجى تشيل نار العواسة فى عود من تحت ساج عواستى وتجيب كوريتها تشيل فيها دقيق تزيد بيهو خمارته ، إنت يادا الناس ديل حتى ساج العواسة السنوات دى ماشايفاه عندهم ، ساج عواسه لى شنو إنتى ماعارفه كلتوم جارتنا دى هى المسئولة عن العواسة حقتهم فى بيتها وفى طباخ بيجى كل يوم جمعه يملأ ليهم الثلاجات أكل يأكلهم إسبوع كامل ، قلت الثلاجات واللا الثلاجة ، ثلاجة شنو البتشيل أكل اسبوع ، كدى خلينا فى همنا النحن فيهو ونسيب خلق الله . خلاص يا أبو زينب أمشى وقول ليهو انا موافق على بيع البيت .
خلال 24 ساعة فقط كانت قد إكتملت جميع إجراءات بيع منزل محمد أحمد للرجل المتمكن المقتدر أحمد والذى منحه ثلاثة شهور للسكن دون أجر لأنه فى الشهر الرابع سوف يهدم البيت ويشرع فى بناء الفيلا الجديدة مكانه . وقع أخونا محمد أحمد عقد البيع وقبض المبلغ ورأسا لحراج السيارت حيث خصص جل المبلغ للسيارة وترك مبلغ لاباس به لتحسين لكسوة الأولاد وكمان يدق جوز غويشات لحرمه أم زينب . ولكونه لايملك خبرة فى السيارات إشترى حافله محيره يعنى اللستك الخلفى مش دبل جوينت بل لستك واحد وكل واحد يشوفه يقول ليه ، ياخى ليه تشترى الحافلة المحيرة دى بكره تقع فى إيدك وتتعطل ، فقرر أخذ المبلغ المحفوظ بالمنزل مع الحافلة المحيرة وذهب لحراج السيارات لشراء حافلة دبل جوينت بمواصفات السوق ولم يترك لزوجته لاحق غويشات ولا حق لبس وليدات ، وفى الحراج رأى حافلة بنفس لون وموديل ومواصفات جاره دفع الله العائد من الدوحة ، دفع كل مايملك بالإضافة الى الحافلة المحيرة وإستلم الحافلة الجديدة . إستلم البائع المبلغ والسيارة المحيرة ووقع وخرج بعد أبلغ المحامى أنه سيعود غدآ لإستلام نسخته من العقد بينما بقى أخونا محمد أحمد فى إنتظار إكتمال إجراءات طباعة وتوقيع وتوثيق أوراق السيارة الجديدة وقد احضر له عامل المكتب كأسة شاى لتهدئه أعصابة حتى لايفكر فى أى شىء وأثناء جلوس المواطن محمد أحمد فى مكتب المحامى يدخل رجل طويل عريض أنيق الجلابية سكروته اصلية مش تقليد الصين وكوريا ، سيفها يقطع الراس ، عمة توتال سويسرى أصلى ستة متر مشغولة الأطراف بحرير ابيض بنفس شغل الملفحة ، مركوب جلد نمر اصلى قطع الجنينة ، ساعة روليكس مع حجارة الماس تجهر العين ، وبعد ان سلم على الجميع قال ( يا جماعة الحافلة المتسوبيشى البرة دى حقت منو ؟ ) فرد عليه المواطن محمد أحمد مزهوآ ( حقتى أنا ) ، والله ياجماعة أنا لى شهرين بقلب فى السوق دا مالاقى حافلة زى دى عاوز أشتريها لناس قريتى عشان أنقل بها أولاد المدارس من القرية للخرطوم كصدقة جارية عاوزها تكون وقف خيرى لروح الوالد ، يا أخى نقول منو ؟ محمد أحمد ، يا أخ محمد أحمد ما تخلينى أعشيك فيها كويس بخمسة مليون زيادة ونشتريها منك وبرضو يكون لك أجر فى عمل الخير ، الأولاد ديل كلهم يتامى أو ابناء فقراء وتوقفوا عن الدراسة لبعد المدرسة عن القرية ، تردد محمد أحمد فى الإجابة وقبل أن ينطق بكلمة موافق ( خلاص خليها سبعة مليون وعلى الطلاق ما أزيدك مليم ، قلت شنو ؟ ) فكر محمد أحمد أن يتحول فجأة لتاجر سيارات يشترى ويبيع مادام هو ملغوم كدى ، ولم لا فقد حقق فى يوم واحد سبعة مليون ودا لو شغل الحافلة مابتجى فى شهرين ثلاثة ، فرد محمد أحمد ( موافق ) يلا يامولانا أعمل لينا المبايعة ، أخرج المشترى عدد من دفاتر الشيكات تغطى كل بنوك ولاية الخرطوم وسأل محمد أحمد ( البنك القريب من بيتك شنو ؟ عشان مانتعبك ) رد أخونا محمد أحمد ( بنك الخرطوم ) طيب الشيك حيكون بتاريخ بعد بكره السبت لأننا نحن الأن مساء الخميس وبكره الجمعه مافيش بنوك ، رد محمد أحمد 0 مافى عوجه أكتب بأى تاريخ . أكملت إجراءات البيع بسرعة مزهلة وكأن المحامى ومن معه يخشون من دخول شخص يتعرف على المشترى ويفسد البيعه ، فالمحامى يعرفه أن نصيبه فى مثل هذه الصفقات سيكون كبير ، عاد محمد أحمد لمنزله بدون الحافلة المحيرة أو الحافلة البتشبه حافلة دفع الله ، فقابلته زوجته ( ياراجل وينه العربية ؟ ) عربية شنو كدى اقعدى ، وبعد أن شرب كوز ماء من الزير الذى قرر ان يستبدله يوم السبت بثلاجه جديدة ، حكى لها كل ماحدث له فى أمسية ذلك الخميس وأداها الشيك فقدمته لبنتها زينب عشان تقراه ليها لتجد أن هذا الشيك يزيد عما دفعه جارهم أحمد فى البيت بسبعة مليون وأنه فى إمكانهم بعد صرف هذا الشيك شراء منزل متواضع بالكلاكلة وحافلة مستعملة مش جديدة زى بتاعة دفع الله . فجر السبت تحرك المواطن محمد أحمد بالمواصلات لبنك الخرطوم وجلس أمام باب البنك لساعتين حتى جاء موعد العمل بالبنك وبعد أن قدم شيكه وأخذ ماركة برقم تسجيل شيكه جلس فى صالة العملاء وهو يحمل شوال فارغ فى يده عشان يستلم القروش ( الملايين ) ويسرح به الخيال يبيع ويشترى ويبنى بيت جديد ليقطع موظف البنك حالة السرحان حين ينادى بصوت عال ( محمد أحمد فضل على ) ، فرد عليه بصوت عال وكأنه فى لجنة معاينة ( نعم فندم ) ثم يتوجه نحو الموظف وهو يفتح خشم الشوال عشان الموظف يرمى بالملايين فى جوف الشوال ، وإذا بموظف البنك يرد إليه الشيك ( الشيك مرتد لأن الحساب مغلق ) مافهم الكلام وشرحه له مرتين وثلاثة والرجل دخل فى حالة أشبه بالغيبوبة ( يعنى شنو ) يعنى حصل سيارتك أنت وقعت فى قبضة مجرم محترف شيكاته مرتدة والزول الإشترى سيارتك دى نحن حسب علمنا فى سجن كوبر منذ أكثر من عامين وما بيمر إسبوع إلا ويجينا ضحية من ضحاياه ، فرد محمد أحمد بلسان معقود ( طيب دفتر الشيكات دا ماصادر منكن إنتو ؟ ) قال له : نعم ، قال المجنى عليه (حسبى الله ونعم الوكيل) وتوجه فورآ لمكتب المحامى الذى ابلغه أن الإجراءات التى تمت بمكتبه كلها قانونية وانت رجل مغفل والقانون لايحمى المغفلين ، فرد عليه ( أنا مش مغفل أنا طيب ونقى السريرة وكنت بظن ان كل الناس طيبين زيى ) ليمضى محمد أحمد ثلاثة شهور السكن المجانى فى بيته السابق ( أقصد بيت المواطن أحمد المتمكن ) بين النيابات والشرطة وسجن كوبر ليكتشف أن الجانى فى يوم الخميس الأسود خرج من سجن كوبر بإذن وبرفقة رجل شرطة ليمر على منزله بإحدى أحياء الخرطوم ويمرق ملابس الدمورية التى يلبسها سجناء سجن كوبر ويلبس عدة الشغل ( الجلابية السكروته والعمة التوتال والملفحة والمركوب جلد النمر والساعة الروليكس والخاتم ومجموعة دفاتر الشيكات )، وقبل أن تنتهى مهلة السكن المجانى ( الثلاثة شهور ) الممنوحه من المشترى الجديد للمنزل ، جمع المواطن محمد أحمد فضل عفش بيته وحزم كل شىء ورفعه فى لورى احد اقاربه الذى جاء من البلد محملآ بخيرات الشمالية للخرطوم من فول وبلح وقمح وبهارات ، الخرطوم التى ترد الجميل لدنقلا بسلب منزل وسيارة إبنها المواطن محمد أحمد لتسكنه وتركبه على شىء إسمه ( شيك طائر ) لم يسمع به من قبل المواطن محمد أحمد ، ليعود للعمل فى واطات أبوه وبعد عدة شهور يتوفى لرحمة مولاه وتشخص حالته بإرتفاع حاد فى ضغط الدم تسبب له فى نزيف حاد فى الدماغ نتيجة القهر والظلم الذى لحق به ، فلعنة الله على مثل هؤلاء المجرمين ونسأل الله أن يعوضك بخير الدنيا فى ذريتك وأن يسكنك فسيح جناته فى الأخرة وهذه التجربة تأكيد صادق بأن حياة الريف أفضل ألف مرة من حياة المدن لمثل هؤلاء من أهلنا أصحاب القلوب الطيبة ، الذين يصفون بلغة معتادى إجرام الشيكات الطائرة ( بالمغفلين ) أو ( بالصيدة ) ، فمن هو المسئول عن مأساءة المواطن محمد أحمد ؟ هل هو الجانى سجين سجن كوبر ؟ المجنى عليه النقى الطيب السريرة ؟ السجان الذى مكن الجانى من إصطياد المجنى عليه ومنحه اذن خروج مساء الخميس تحديدآ لرواج العمل بحراج السيارات ؟ أم هو البنك الذى يصدر دفاتر الشيكات لكل من هبً ودبً ممن لايملكون رصيد ويملكهم السلاح الذى يقتلون به محمد أحمد وامثاله والبنك ينأ بنفسه ولايتابع إجراءات إسترداد دفاتر الشيكات من يد هؤلاء المجرمين ؟ فى تقديرى أن المسئولية فى المقام الأول على هذه الحادثة التى دمرت أسرة بكاملها تقع على المجنى عليه ، ثم البنك ، ثم السجان ؟ أما الجانى فهو مجرم محترف لاضمير له ومهمتنا أن نجرده من سلاحه الذى يقتل به الناس ( دفتر الشيكات ) وأن نضعه فى السجن ولانسمح له بالخروج بصحبة رجل شرطة يمكن أن يعرض عليه مثل هذا المجرم فى يوم واحد مايعادل مرتبه لعشرة سنوات ، فهل يصمد جندى لايتعدى مرتبه إحتياجات أسرته الضرورية لإسبوع واحد أمام تلك المبالغ الطائلة التى يغدق بها هؤلاء المجرمين عليهم ، وكيف له أن يقوى أمام موائد الخراف المحمرة المحشوة بالدجاج المحمر المحشو بالحمام المحمر المحشو بالفريك والإسكوتش أيقز ( البيض المسلوق ) ، النائم على كومة الأرز الملفلفل بالزبيب والمكسرات فى صينية قطرها واحد متر لم يتسع باب الزنزانة لدخولها فوضعت فى بهو الحراسات ليأكل منها الجميع ، هذه العينة من الوجبات ، أبلغنى محدثى أنها تأتى إليهم من أسر هؤلاء المجرمين وبعض رجال الأعمال داخل الحراسات ، بل ذكر لى محدثى أنه غضب كثيرآ حينما جاءه الإفراج من تهمه سياسية ألصقت به فى سنوات الأنقاذ الأولى لأنه كان من المايويين المغضوب عليهم فى تلك الفترة المرضى عنهم حاليأ ، لأختم حديثى عن التجربة الأولى ، واتوجه لكل مواطنى الطيبين الذين يحملمون طيبة وبرأة وجمال المواطن المرحوم محمد أحمد ، أن يعودوا لقواعدهم ، لقراهم ، لمسقط رأسهم قبل أن يجردهم معتادى الإجرام من أعز مايمكلون ونقول لهم ( عش فى القرى رأسآ ولاتسكن مع الأذناب مدنا )
التجربة الثانية : تجربتى الشخصية فى الحياة ( 1948م-2008م )
بعض المهن يمكن ممارستها لفترة طويلة من عمرك لو أسعفتك صحتك والبعض قد يعمل حتى بعد سن التقاعد الإجبارى للكبر أو المرض لاقدر الله ، كمهنة الطب والمحاماة وغيرهما ، إلا أن البعض الأخر منها الى جانب المعرفة تحتاج الى القوة الجسمانية وأخص منها مهنة المساحة ، لذا تجدنى أشبه المساح بالحصان ، فعندما يكون المهر صغير قوى جميل يستخدم فى الفروسية والسباق وتعدى الحواجز والقفز والإستعراض أمام الملوك والرؤساء ويمتلكه الأثرياء ، وتقدم له العناية الفائقة والغذاء الخاص الذى أشبه بما يقدم للعظماء من البشر ، وعندما يتقدم الحصان فى السن ويعجز عن السباق والفروسية يحال لجر عربة الكارو ، ينقل البضائع ، ويقدم له البرسيم وماء فى وعاء قد لاينظف قط ، وعندما يعجز عن جر عربة الكارو ويشكل عاله على صاحبه ، يأكل ولا ينتج ، يرسل للطبيب البيطرى ليعطيه رصاصة الرحمة ويتم التخلص منه . هذا المصير كنت أخشاه دائمآ ، فتخرجت مهندسآ للمساحة من معهد المساحة العالى بالخرطوم ( كلية هندسة المساحة جامعة الخرطوم حاليآ ) فى19 مارس 1973م وأغتربت للعمل بالسعودية مطلع العام 1974م وفى العام 1979م أتاحت لى فرصة العمل ببرنامج تشغيل وصيانة مياه الرياض كمهندس مساحة لشبكة المياه أن أتعلم على يد عدد من خبراء شركة فاتن السويدية VBB إستشارى المياه ، تقنية تصميم وتنفيذ والإشراف على شبكات مياه الشرب ، لفترة زادت عن العشرة سنوات من العمل والدراسة المتواصلتين على يد عدد من الخبراء اذكر منهم شيل نلسون ورام وجوهانسون من فى بى بى وبارك جونق هو وكيم ينق ها من شركة سامبو الكورية واسماء عديدة لم أعد اذكرها فى هوتاهقردفيلد ودونج آه ، ونام كوانج وسام وان وكمبوجى قراستو الإيطالية وغيرها فيما بين 1976م و 1988م حين عدت وقتها لوطنى السودان لأمارس أعمال تجارية متعددة وأنقطع عن مشاريع المياه وتصميم وتنفيذ والإشراف على الشبكات لأن هذه المهنة فى السودان ( لاتأكل عيش ) لأجد نفسى فى العام 1996م فى حاجة لتجديد جلدى وعقلى والبحث عن مهنة أخرى غير المساحة وتصميم وتنفيذ الشبكات تتناسب وعمرى وصحتى فى تلك الفترة وأنا فى السابعة والأربعين ، بعد أن رأيت كل من يمارس التجارة والصناعة والزراعة والرى فى سودان التسعينيات ينتهى به الأمر فى سجن كوبر ودخول السجن يعلم الإجرام ، فقمت بتصفية المشروع التجارى الذى كان بينى وبين شقيقى على يرحمه الله وقررت دخول دنيا جديدة ، هى دنيا تقنية المعلومات بتعلم مبادىء علوم الحاسوب بدءً من مبادىء الدوز DOS ، والدوز يا أبنائى جيل المايكروسفت أوفس إختصار لـ DISK OPERATING SYSTEM أى نظام تشغيل القرص وهذا نظام عفى الدهر عليه ، لأن فى تلك الفترة كنا نعمل على الـ 386 والـ 486 ومافيش لا أكس بى ولا فيستا . حملت حقيبتى كطالب علم مبتدىء وأنا فى سن السابعة والأربعين وذهبت لمعهد المدار لعلوم الكمبيوتر بالخرطوم وتعلمت مبادىء الحاسوب على يد أستاذ فى نفس سن إبنى الاكبر الدكتور مدثر . كان البعض يسخر منى بل أن زوجتى بدأت تشكك فى أن تصرفاتى هذه تأتى فى فترة حرجة من حياتنا حيث الإبن الأكبر فى عامه الثانى طب بأكاديمية العلوم الطبية والتكنلوجيا ويدرس بالدولار وبالبنت الكبرى على أعتاب الجامعة والصغرى فى طريقها للمرحلة الثانوية وإثنين من ابنائى آخر العنقود بمرحلة الأساس والدنيا من حولنا ولعت والجنيه كل يوم يسقط أمام الدولار وتجاوز الألفين جنيه فى طريقة لرقم لايعلمه الإ الله والغلاء يطحن الناس ، وأنا خاتى فى دى طينه وفى دى عجينه ، وبدرس مبادىء الحاسوب ، مش كده وبس ، فبعد أن أنتهيت من الدورة فى مقدمة الحاسوب ذهبت واشتريت جهاز حاسوب بمبلغ ثلاثة مليون ونصف ( كان غالى كثير ) ، وأحضرته معى للمنزل وحضر معى أستاذى ياسر وهو شاب أنيق مهذب ذكى خلفتيه العلمية أنه زراعى رأى أن الزراعى لامستقبل له فى سودان المليون ميل فذهب ودرس علوم الحاسوب ، وبفكره زادت قناعتى فى التعلم والدخول لتقنية المعلومات . أستاذى ياسر تعرفت عليه بالصدفة حين كان يشرف على تعليم القضاة والمحامين علوم الحاسوب لدى دائرة مولانا عوض للتدريب غرب المدرسة البلجيكية . أكملت تعلم الأوفس على يديه وتشاء الأقدار أن أقرر الهجرة مرة ثانية لوطنى الثانى السعودية فى هجرة اللاعودة بإذن الله كما يحلو لى أن اسميها وقد حدث ذلك فى 15 يناير 2003م . تركت جهاز الحاسوب القديم لإبنائى وقد افادهم كثيرآ ، فأنتهزت فرصة عملى الجديد بمدينة الرياض وبعد أن أمتلكت جهاز حاسوب متطور كنت أحضر اقراص التعلم بدون معلم وأجلس أستمع لها لساعات قد تزيد عن العشرة فى اليوم ، فأتقنت الوورد والأكسيل والبوربوينت والأكسس ، ثم عرجت على الأتوكاد وأتقنت الرسم بالحاسوب ، لأكتشف أنى اسير فى الطريق الخطأ ، فأنا اليوم مهندس مساحة معترف به ، وبتعلمى للأتوكاد سأتحول الى رسام ، فهذا يعنى أننى أتراجع لا أتقدم . قررت التوقف عن تعلم الأتوكاد والمايكروستيشن والدخول لدنيا جديدة فى كل شىء .
فى مارس 2003م كنت فى زيارة خاصة للسيد فيليب وهو أمريكى الجنسية فى مقر إقامته بفندق الهوليدى إن بالرياض ، فسألنى : لماذا لاتتعلم الـ GIS ؟ قلت له : أنا أجيد العمل بالـ GPS ، فرد معقبآ : أنا لا أحدثك عن جهاز الجى بى أس الذى اعلم أنك تتقنه لكونك مساح أراضى ، ولكن أحدثك عن نظم المعلومات الجغرافية THE GEOGRAPHICAL INFORMATION SYSTEMS GIS وأعطانى كتيب صغير يتحدث عن مبادىء بناء قواعد البيانات على نظم المعلومات الجغرافية . السطر الأول من الصفحة الأولى وماتلاها كانت تقول :
الأوقات تَتغيّرُ، وطرقنا لتحقيق إحتياجات الزمن تَتغيّرُ أيضاً وأنّ العالمَ يَدْخلُ ‘{عصر المعلومات لما بعد العصرالصناعي } أي الوقت الذى أصبحت فيه المعلومة المنتج الرئيسى والقاعدة التى يرتكز عليها التقدم للتأكيد المتزايد على إدارةِ البياناتِ الظاهـرة والضرورية
فذهبت للصفحة الثانية لأجد فيها :
نظم المعلومات الجغرافية جزء هام من عصر المعلومات ، والمعلومة هى قلب نظم المعلومات الجغرافية هاتين العبارتين فتحتا شهيتى لمواصلة القراءة ، لأصل للعبارة التالية : إن مقولة ( إننى أرغب فى تعلم نظم المعلومات الجغرافية ، ولكنه علم متقدم جداً ) والتى تسمع دائماً ليست مقولة صحيحة ، فنظم المعلومات الجغرافية يمكن تعلمها بسهولة فائقة بقليل من التركيز مع القدر المناسب للمدخل التعليمى له ليضيف المؤلف وهو أمريكى وهذا ماحببنى فى الشعب الأمريكى وعلينا أن نفرق بين الشعب الأمريكى الطيب والمواضيع الأخرى بالمرتبطة بحكومة بوش وسياساتهم تجاه منطقتنا والتى قد تسوء بوصول إبن عمى حسين ( باراك أوباما – مبارك حسين أوباما ) ، فالشعب الأمريكى غير راض عن سياسة بوش وقد عبر عن ذلك فى آخر إنتخابات جرت وفوز إبن جلدتنا مبارك حسين أوباما ( فباراك بالسواحيلى يعنى مبارك ) وهذا يعنى أن رئيس مصر مبارك ورئيس امريكا مبارك ( ومافيش حد أحسن من حد ) ، نعود لموضوعنا وماقاله مؤلف مبادىء الجى أي أس الأمريكى : لتتعلم نظم المعلومات الجغرافية تحتاج للرغبة والذكاء TO LEARN GIS , YOU NEED DILIGENCY AND INTELLIGNCY فيما يتعلق بالرغبة والإجتهاد كانتا متوفرتين لدى أما الذكاء فأنا لم اقابل فى حياتى رباطابى مش زكى ، بس الذكاء بتاعنا بنشتته بين حاجات كثيرة ، يعنى مافيش تركيز فى شىء محدد بعينه ، وأنا قررت من تلك اللحظة أن ارمى كل شىء خلف ظهرى وأركز على امر واجد ، هو تعلم الـ ( GIS ) . تحصلت على المزيد من الكتب والأقراص المدمجه ( CDs ) الخاصة بهذا العلم ، وعلمت أن مكونات هذا العلم الحديث المكتشف فى 1969م والمعلن عنه بصفة رسمية بواسطة شركة ESRI الأمريكية فى 1980م هى ( البرامج SOFTWARE ، المكونات المادية HARDWARE ، البيانات DATA ، الكوارد البشرية المؤهلة SKILLED PEOPLE ، ثم تأتى خطوات العمل PROCEDURES ) .
نفس الصدفة التى جمعتنى بالمستر فيليب الأمريكى الطيب الذى عرفنى بالجى أى اس ، جمعتنى بشاب أردنى من إصول فلسطينية إسمه احمد عيسى مختص بناء قواعد بيانات على نظم المعلومات الجغرافية جى أى أس ، فما أن علم برغبتى فى العلم ، حتى وجهنى للوكيل الحصرى لمنتجات إزرى ESRI الأمريكية والذى زودنى لفترة زمينة تجاوزت العامين بنسخة من البرامج EVALUATION SOFTWARE وهى نسخة توزع مجانا وتعمل لشهرين فقط ، ولولاها لما أمكن لى التعلم ، ليس البرامج فقط ، بل زودونى بعدد من الكتب والأشرطة والبرامج التعليمية للمبتدئين ، فجزاهم الله عنا كل خير ، فقد أحدث تعلم نظم المعلومات الجغرافية نقلة نوعية وكمية فى حياتى وحياة أسرتى ، لذا قررت أن أخصص الباب التاسع من مدونتى ( رباطاب وسط ) لتجربتى الشخصية فى الحياة لأضعها كاملة بين يدي ابنائى وبناتى للإستفادة مما يصلح منها وترك ما لايفيدهم .
فبتعلمى إعداد قواعد البيانات على نظم المعلومات الجغرافية ، أكون قد إنتقلت لمرحلة متقدمة ، وهى مهنة تتيح لى الممارسها والإستمرارية حتى يتوفانى الله أو أفقد بصرى بعد عمر طويل إن شاء الله وإن كنت أرغب فى تعلم لغة بريل حتى إن أصبت بالعمى لا أتوقف عن العمل وأصير عالة على عيالى ، فاليد العليا خير من اليد السفلى . فهذه التجارب حدثت فعلآ فى حياتى مابين 1973م و2008م وكانت لها أسبابها وظروفها ودوافعها ، وأريد أن اقدمها كتجربة خاصة بى لأبنائى وبناتى من الجيل الحديث ، الذى أمل أن يكون مختلفآ عن الأجيال التى سبقت ، وأن يطرأ بعض التغيير عليه ولايكون سودانى تقليدى ، يتغنى بأمجاد لم نسمع بها ( جدودنا زمان وصونا على الوطن ) وأنا أشهد الله أن لا أحد من جدودى أو ابائى قد وصانى على الوطن ، كل واحد مركز على نفسه والوطن يأتى فى آخر القائمة ، فكان لابد لإنسان السودان من التغيير ، ذاك الإنسان السودانى الذى عرف بأنه كثير الكلام قليل الأفعال ، وحتى أخوتنا الخليجيون عندما يتعرضون للشخصية السودانية فى أعمالهم الدرامية ( طاش ماطاش وغيرها ) يعرضونه كشخص كثير الكلام قليل الأفعال بل يذهبون أكثر من ذلك ويصفوننا بالكسل والأسيون يقولون السودانى ( قرقر كثير ) يعنى كلام كثير ، والمؤتمرات التى تنعقد بالسودان قبل أن تنفض وآخرها مؤتمر أهل السودان ومجالس الشيوخ والشورى ومؤتمرات الشباب وغيرها من مئات المؤتمرات التى تنعقد على نفقة اهل السودانيين مجرد ( قرقر كثير ) وفعل قليل ، بل إن الأسوأ من كل ذلك أن السودانى يحسن الظن فى كل من يعرف ومن لايعرف ، ويدخل بيت من يعرف ولايعرف ، ويدخل لبيته من يعرف ولايعرف ( هذا السلوك كان ممكن فى زمن السودان النقى الطاهر وليس الأن ) والسودانى مازال يأخذ بنصحية من يدرى ومن لايدرى ، ملحقآ الأذى والضرر بأسرته ومستقبل أبنائة ، فحسن الظن والطيبة المتناهية واللامبالاة كثيرآ ماتتسبب له فى مشاكل هو فى غن عنها فقط لو لزم الصمت وإستثمر وقته فى أمر نافع ( وأهل الخليج ينادوا على أى شخص لايعرفونه بمحمد ولوعرفى أنك سودانى نادوك بالطيب ) ، ليس هذا فقط بل حتى يستهتر فى إمور حساسة تتعلق بمصدر ومستقبل أبنائه ، فبدلآ أن يتجه نحو تعلم مهنة أو علم حديث ، تجده إذا أحضر جاره دفار من كشة الكويت بعد حرب الخليج ، وبدأت أوضاع جاره المادية تتحسن باع كل مايملك واشترى دفار حتى ملئت كل شوارع السودان بالدفارات ، لو المغترب فلان جاء من الدوحة ومعاه حافله هايس أو متسوبيشى ، باع الدفار وأشترى حافلة ، لو جلس فى ونسه والناس قالوا والله ياجماعة الأيام دى الإستثمار السمح بس فى الأكل ، هسع إنتوا شايفين ليكم خشم واقف من الأكل ، باع الدفار وعمل مطبخ ، حياة كلها تخبط ودخول فى مشاريع صغيرة أو كبيرة حسب حجمه دون دراسة جدوى إقتصادية ودون أن يكون مهيأ لها ، ويخيل لى أن المسئولين بالدولة يديرونها بنفس عقلية الإنسان السودانى ، لم لا فاسعار الوقود وجميع المحروقات زادت عشرات أضعاف بعد أن أنتجنا البترول وصدرناه لجميع دول العالم ، وفى جانب آخر نرى أن قيمة الجنيه السودانى تستعيد عافيتها أمام الريال والدولار وجميع العملات العالمية وتنهار داخليأ أمام طبق البيض وملوة الفيتريته وكرتونة الصابون والدكوة واللحمة ، فكنا كمغتربين نرسل المصاريف الشهرية لأسرتنا بالسودان التى تستلم 700 جنيه مقابل كل ريال وتشترى طبق البيض بخمسة ألف جنيه وعشرة عيشات خبز بألف جنيه لتعلن الدولة أن سعر الجنيه السودانى تحسن ليصبح 530 جنيه وليس 700 جنيه لكل ريال فسعدنا أيما سعادة وتوقعنا إنخفاض أسعار السلع الإستهلاكية لنفاجا بإرتفاع طبق البيض الى 17000 جنيه بدلآ من 5000 جنيه والدجاجة ( الديايه بالكويتى ) الى عشرين ألف جنيه يعنى الدجاجة فى السودان وصلت 40 ريال سعودى ، ورغيف الخبز ينخفض فى عدده ووزنه من عشرة عيشات الى أربعة فى آخر أيام الوزير الهمام الزبير ليمنح الوزير القادم الجديد للمالية عوض الجاز فرصة إعادته الى خمسة عيشات بدلآ من أربعة كعمل تكتيكى ليس إلا ولتحسب له ككرديت لتعود خمسة عيشات بوزن ثلاثة عيشات قديمة ، فأصبحت العيشة فى السودان عبارة عن لقمة واحدة ، إنهيار تام فى كل شىء وإمور كثيرة لاتشبه الإقتصاد ويفسرها العارفون ببواطن الإمور بنظرية ( القلع ) قلع عديل من قروش المغتربين 130 جنيه عن كل ريال ووضع ضرائب ورسوم جبايات لاتحسب فى الداخل على كل شىء حتى على رغيف الخبز ، مما زاد فى عدد المصابين بالسل ، نسأل الله أن يلطف بأرض السودان ورجال السودان ونساء السودان وأطفال السودان وحيوان السودان وموارد السودان وأن يزيل هذا الكرب عنا إنه هو السميع المجيب .

ليست هناك تعليقات: